كلمة الأخ الدكتور (عبد القادر طاش) في العدد الأخير من مجلة (اليمامة) عن عروبة الشعب الجزائري الشقيق و إسلامه .. أعادت إلى ذهني ذكريات عن الثورة الجزائرية المجيدة .. والكفاح البطولي الذي أبداه هذا الشعب العربي المسلم للتحرر من الاستعمار.
ذكريات عايشتها في فترة الستينيات. عندما كنت في سويسرا, أتابع أحداث تلك الثورة و أخبارها كما كنت أتابع المحادثات التي كانت تجري بين السلطات الفرنسية .. وقادة المقاومة الجزائرية في قرية (أكس ليبان) على الحدود السويسرية الفرنسية. ثم محادثات (إفيان) التي تمخضت عنها اتفاقية جلاء القوات الفرنسية عن الجزائر، وتصفية الوجود الاستيطاني فيه.
وقد كنت في تلك الفترة، التقي ببعض الإخوة الجزائريين, الذين يتواجدون في سويسرا .. فالمس في وجدانهم شعوراً إسلامياً عميقاً .. وحساسية مفرطة ضد شعارات كانت سائدة في المشرق العربي .. يرون بأنها شعارات تفرق، ولا توحد نضال الشعوب العربية !! وأذكر الأعمال البطولية لرجال المقاومة في حي القصبة في العاصمة .. ومختلف الأحياء الشعبية في الجزائر, بعد اختطاف طائرة قادة الثورة.
كانت الصحف الغربية تطلق عليها الأحياء الإسلامية لأنها كانت بؤرة الإشعاع، الذي انطلقت منه الثورة الجزائرية .. وكيف ألهبت بعض الحوادث فيها الشعور الوطني الإسلامي في مختلف المناطق .. على الرغم من كثافة الاستيطان الاستعماري في المدن الكبيرة وتواجد الثكنات العسكرية فيها ..!!
ومن متابعتي لأخبار تلك الثورة المجيدة ومعايشتي لزمنها .. أود أن أشير إلى حقيقة تلتبس على بعض الشباب المتأثر بطروحات فكرية ترفض العقيدة الروحية، باعتبار أنها تنطوي على أفكار متخلفة استلابيه .. وهي أن ثورة الشعب الجزائري التي أرغمت المستعمر على الرحيل ..لم تنطلق من فكر فلسفي أو مبدأ (أيديولوجي) معاصر..على الرغم من سيطرة الثقافة الغربية في الجزائر أثناء الاستعمار ..بل انطلقت من وعي وطني .. ولكنه لا يؤمن بأي مبدأ غير الإسلام..
والحقيقة الثانية التي لمستها في تلك الفترة .. هو دور المرأة الجزائرية المسلمة التي كانت ترتدي لباساً وطنياً لا يبدو منه إلا عيناها ..تلك المرأة بقوة إيمانها كانت تخيف أفراد القوات المستعمرة، أكثر مما تخيفهم فتاة متبرجة..فقد كانت تقوم بأعمال بطولية تثير الرعب في أحياء المستوطنين في الجزائر.
وكان لها دور بارز في أعمال المقاومة في تلك الأحياء وكانت تقوم بإيصال الرسائل المتبادلة بين قيادات الثورة في المدن المكتظة بالسكان .. ورجال المقاومة في جبال الأوراس ..!!
هذه المرأة المسلمة، قد تحدثت عنها الصحف الغربية باندهاش .. لأنها كانت تؤدي ملحمة بطولية بقوة إيمانها بالعقيدة الإسلامية .. لا بقشور التمدن.
أذكر هذه الحقائق للعبرة .. وأعترف بأنني لست من رجال الدين الواعظين ..ولكني أعتقد بأن العقيدة الروحية هي التي تصنع المعجزات..وتواجه التحديات التي تعترض الشعوب المغلوبة.
وقوة العقيدة هي الأساس في تكوين الحضارات.
وليست قوة العقيدة تعني التخلي عن القوة العلمية والمادية ولكن التوازن بينهما هو الطريق السوي ..!!