اللغة الشاعرة.. هي بلا شك حليفه للنفس الشاعرة.. زمن ينكر هذه الحقيقة.. أو يدعو لطروحات مخالفه لها.. فإنه يجهل طبيعة الإنسان التي تطرب للمعنى الجميل.. والعبارة المؤثرة..!!
فكل إنسان سواء كان مثقفاً. أو غير مثقف يميل لسماع الأبيات الشعرية المعبرة عن عاطفة إنسانية.. أو حكمه شارده.. ولذلك كان الشعر دائماً.. وفي جميع اللغات.. وسيله للتعبير عن اللغة الشاعرة..!!
ومن يريد أن ينزل بلغه الشعر.. إلى لغة النثر بدعوى التجديد.. أو بادعاء أن الزمن قد تجاوز التعبير عن العواطف الإنسانية.. لأنها هموم ذاتيه.. فإن مفهومه هذا يتعارض مع الفطرة الكامنة في أعماق النفس البشرية!! ولكن الشعر يختلف عن النثر.. بماذا؟؟
لا جدال في أن الشعر يختلف عن النثر بمعطيات موسيقية. لها تأثير في نفس المتلقي.. غير موجودة في النثر. واللغة العربية مفعمة.. أو حافله بمعارف بيانيه, وبلاغيه, وتخييل قد تكون موجودة في الفنون الأدبية الأخرى.. ولكن وجودها في الشعر الموزون هو الذي يجعل له تأثيراً في نفس المتلقي مختلفاً.. لأن الشعر يمتاز بمعطياته الموسيقية..!!
هناك من يدعي ويجاريه الكثيرون.. بأن الأوزان الشعرية.. هي من اختراع العالم اللغوي (الخليل بن أحمد).. وبأن الأدب العربي يوجد فيه تجارب شعريه قديمة.. خرجت عن قاعدة الخليل.. فلماذا لا نتقبل تجربه الشعر النثري؟؟ ويقولون بتنظيرات.. وطروحات غريبه.. لتبرير أو ترويج الشعر المنثور المخالف لمفهوم الشعر العربي المأثور.. علماً بأن (الخليل بن أحمد) لم يخترع الأوزان الشعرية.. إنما هو قد استنبط بالدراسة والمقارنة.. علم (العروض).. أي البحور الشعرية.. وأطلق عليها التسميات المعروفة ولم يخترعها.. فهذه الأوزان أو البحور الشعرية موجودة منذ عصور قديمة في الجاهلية.. ومعروفه عند العرب بالسليقة.. والتجارب الشعرية التي خرجت عن الأوزان الخليلية موزونه أيضاً بتفعيله معينه لا تخرج عنها.. وكذلك علوم اللغة العربي.. القواعد النحوية.. والبلاغة.. والبيان.. والبديع هي الأخرى معارف ليست من اختراع علماء اللغة العربية المتأخرين.. لأنها كانت موجودة أصلا ً في اللغة العربية.. ولكن هؤلاء العلماء المتأخرين اجتهدوا في استنباطها وتدوينها.. بما الفوه عنها.. وأصبحت معارف محدده في تاريخ الأدب العربي..!!
فالأوزان الشعرية.. وعلوم اللغة المختلفة معرف موجودة عند الشعوب العربية القديمة.. ومفهومه بالفطرة والسليقة.. وليست كما يدعي كثير من تلامذة المستشرقين.. بأنها معارف.. أو علوم.. أو مناهج مقتبسه من لغات أمم أخرى غير عربية.. كما يدعي الدكتور طه حسين.. وغيره.. وما يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.. وهو قوله بأن من البيان لسحراً.. وإن من الشعر لحكمه.. يدحض ما يدعي هؤلاء.. فهذا النص يدل على وجود هذه المعارف عند العرب.. في الجاهلية.. وصدر الإسلام.. وإن لم يقوموا بتدوينها.. لأنها مفهومه بالسليقة..!!
فالشعراء العرب منذ أقدم العصور كانوا يعبرون عن الأفكار والعواطف التي تجيش في صدورهم بلغه شعريه.. أي بوسيلة تعبير راقيه أدركوها بالسليقة ولذلك أصبح الشعر العربي هو (الشاهد)على جمال التعبير في اللغة العربية!!
ومن هذا المنطلق.. نجد أن نظم الشعر محاكاة.. وتقليد.. وأنه يختلف عن النثر.. والإبداع في هذه المحاكاة.. هو الذي يؤكد صفه الشاعرية..!!
فلغتنا العربية الشاعرة كام قلت خليفه للنفس الشاعرة.. أي إن إحساس الشاعر بمعطياتها الجميلة هي التي تفجر في نفسه الطاقات الشعرية..!!
فليس كل مبدع لنص أدبي شاعراً.. ولكن كل شاعر مبدع..!! والدليل على ما نقول أن الشعر لا يتهيأ للشخص حتى وإن كان متبحراً بعلوم اللغة.. لأن الشعر لا يكون إلا بالسليقة!!
وأغلب الشعراء الذين يهربون من الوزن الشعري المأثور.. ويدعون بأن ما يبدعون شعراً.. لا يجهلون هذه الحقيقة.. ولكنهم يخدعون أنفسهم.. ويجارون.. أو يندفعون مع تيار يريد أن يبطل مفهوم الشعر العربي الأصيل.. ويلغي تأثيره في نفس المتلقي..!!
ودعاه.. أو نقاد الحداثة الشعرية في المملكة لا يجهلون أيضاً هذه الحقيقة.. ولكنهم متأثرون بطروحات.. وتنظيرات رواد مجلة (شعر) البيروتيه.. وبعضهم يحاولون أن يبرزوا معرفتهم بمناهج غربيه حديثه وهؤلاء في رأينا.. يحترم المتلق معرفتهم.. ولكن ينبغي أن لا يجعلوا الشعر العربي الأصيل ميداناً لتطبيق هذه المعارف!!
فأغلب النقاد.. ودعاه شعر الحداثة النثرية في المملكة يحاولون أن يخلطوا (المايونيز)..(بالسليق) و يصفو الشعر العمودي.. بما يليق وبما لا يليق.. بدعوى أن روح العصر. أو المعاصرة.. تتطلب التغيير.. ولأنهم يجدون في الشعر المنثور الذي يتعمد الغموض.. والإبهام شيئاً جديداً..!!
والمعاصرة.. أو الخروج من التخلف الفكري.. كما يزعمون.. لا يعني تحطيم بنيه الشعر العربي المعترف به من الأوساط الأدبية في الغرب.. والذي أهتم به المستشرقون منذ أمد بعيد.. وأصبح السمه المميزة للأدب العربي الأصيل..!!
حقاً بأن الشعر إن لم يهززك عند سماعه.. فليس حرياً أن يقال له شعر..!! وهو شيء نتفق عليه جميعاً.. ولكن ليس معنى ذلك.. استبدال النثر.. بالشعر.. أي القبول بقصائد نثرية.. بدعوى أنها مشحونة بموسيقى داخليه..!! وهي مقوله متهافتة.. لا يتأثر أو يقتنع بها.. إلا من يجد نفسه عاجزاً عن إجادة التعبير عن أفكاره بالأوزان الشعرية المأثورة..!!
وإذا حدث أن داهم الشعر في الغرب حديثاً.. ترف فكري.. ومنهج عبثي يرفضهما المتلقي في الغرب نفسه.. فهل من المفروض يا نقادنا الأعزاء أن نمر في هذه المرحلة.. وندعو إلى التخلي عن البنيه الشكلية الأصيلة للشعر العربي المأثور؟؟