يبدوا أن الندوة الثقافية التي عقدت في إطار مهرجانات الجنادرية في الرياض منذ شهور.. عن الموروث الشعبي. وعلاقته بالفكر..والفن.. قد افرزت بعض الأفكار التي تحاول اضفاء الشرعية على مفاهيم جديده .. للفنون الشعبية التي نحتفل بها كل عام..!! و على الرغم من أنني لم احضر هذه الندوة.. إلا أنني قرات ما كتب عنها في الصحف المحلية..وما دار فيها من حوار و نقاش يستشف منه القارئ تعمد طرح أفكار تتعارض مع الأصالة في بعض الفنون الأدبية. واللغة العربية..!!
والفن الشعبي.. لا شك بأن له في لغتنا العربية مفهوما معينا.. ليس له علاقة بالإبداع الفكري أو الإبداع في الأدب..!! لأن ما يمثله .. أو يجسده في الواقع ..هو معطيات فنيه شعبيه قديمة كالغناء.. و الرقص الجماعي الموروث وقد يدخل في اطاره الشعر الشعبي الأداء الموسيقي بالات شعبيه غير متطورة .. و الحرف اليدوية!!
غير أن بعض الكتاب عندنا يرى بأن تعريف (الفنون الشعبية).. مرادف لمعنى (الفلكلور)و في اعتقادي أن ما نفهمه نحن عن الفنون الشعبية ينحصر في مفهوم محدود .. بينما علم الفلكلور حسب تعريفه في أحدث المعاجم الإنجليزية.. يعني دراسة العادات و التقاليد و المعتقدات الوثنية.. و لأساطير .. و الخرافات عند بعض الشعوب.. و الحكايات و الأمثال.. والأغاني الشعبية.. والألغاز المأثورة.. أي أن له علاقة بعلم (الميثولوجيا).. وهو دراسة المعتقدات الوثنية القديمة أو الأساطير الخرافية عند بعض الشعوب..!!
وهناك من يرى إطلاق (الموروث الشعبي) على الفنون الشعبية عندنا .. غير أن الأستاذ عزيز ضياء في كلمته المنشورة في جريدة الرياض يوم الخميس الموافق 29شوال 1407هـ لا يتفق مع هذه الرأي .. لاعتقاده بأن إطلاق صفه الشعبي على (المورثُ) صفه غير دقيقه.. كما أن كلمه (الموروث) هي الأخرى كلمه لا تنحصر في الفنون الشعبية فقط..!! فقد يكون الموروث عقائديا.. وقد يكون ثقافيا.. وقد يكون اجتماعيا.. كما أن لفظه الموروث تعني في المعاجم العربية موروثا معنويا كالحسب.. و قد يكون ماديا كالموروث من الأموال(انظر معجم الصحاح للجوهري).. فهو لذلك يرى بأن إطلاق كلمه (المأثورات) بدلا من (الموروث) هو التعبير الأقرب للصواب.. حيث أنها تسميه دقيقه اختارها المشرفون على(المجلة العلمية الفصلية) التي تصدر في مركز التراث الشعبي في الخليج.. لتعريف التراث الشعبي في منطقه الخليج.. لتعريف التراث الشعبي في منطقه الخليج العربي و الجزيرة العربية..اي انه يجد بأن إطلاق هذا المسمى قد يمنع من الالتباس الذي تخيله في عنوان الندوة الثقافية..!! و لكنه بعد أن تناول موضوع (الفلكلور) اعترف بانه لم يجد سوى كلمه (العامي) لتكون بديلا عن الصفة التي رفضها قبل ذلك للموروث الشعبي..!!
و احسب أن الأستاذ عزيز ضياء.. باجتهاده في اختياره هذه الصفة للموروث.. قد أراد أن يكحلها.. فأعماها كما يقول المثل ..!! فإذا كان يرى بان وصف (الشعبي) للموروث (صفه مقحمه لا لزوم لها..الخ) فكيف يريدنا أن نقتنع بإطلاق صفه (عامي) على هذه المأثورات؟؟ و كيف يكون هناك علاقة بين الموروث الشعبي .. و الإبداع الفكري و وصفه (بالعامي)؟؟ فإذا كان المترجم لكتاب علم الفلكلور وهو الأستاذ (رشدي صالح) قد ترجم كلمه
(Folk)
بمعنى (العامة) فهي ترجمه غير دقيقه. لان الكلمة مرادفه لكلمه
(NATION)
و
(People)
و ترجمتها الصحيحة هي (الناس) .. وقد تأتي هذه الكلمة في بعض المعاجم الإنجليزية.. كصفه .. و يقصد بها طبقه معينه من الناس في مجتمع ما..لهم تقاليد و أعراف خاصه..!!
و لفظه (العامة) في اللغة الإنجليزية معروفه..!! كما أن لفظه الجمهور معروفه أيضا..!!
فالأقرب للصواب إذن هو اثبات صفه (الشعبية) للمأثورات الفنية.. أي الفنون الجميلة الموروثة و المكتسبة منذ عصور قديمة عند الشعوب العربية..!!
و الفنون الشعبية التي نحتفل بها احسب أن البعض يحاول توسعه مفهومها حسب ميوله الفكرية.. أو اتجاهاته الأدبية.. كما قلت.. وهم لا ينطلقون من هذا التصور عن جهل بالتعريف الحقيقي للفنون الشعبية عند العرب.. و لكنهم يحاولون أن يصلوا إلى هدف معين.. هو الاعتراف أو إقناع المتلقي (باللغة العامية) بحسبانها موروثا شعبيا يمكن التعبير بها عن الأفكار في الفنون الأدبية..!! و لذلك وصفوا الموروث الشعبي .. و الإبداع الفكري..!!
ومن يقرا ما تخطه أقلام (دهاقنة) الحداثة في العالم العربي يجد انهم يرددون دائما كلمات تعني في تصورهم .. غير المعنى المفهوم ظاهرا عند المتلقي..!! ومن ابرز هذه التعبيرات لفظه التراث.. و الأصالة.. و الموروث والمعاصره ..و استلاب القديم.. و التسكح.. و افتراش ارصفه الثقافة.. ويتعرضون دائما للموروث.. و التراث بالانتقاد المبطن.. وهم لا يقصدون بالتراث العادات و التقاليد الموروثة الباليه.. وإنما يقصون بالتراث العقيدة.. و بالموروث ما ورثته الشعوب العربية من معارف و ثقافات تتصل باللغة العربية الفصحى.. والشعر العربي الموروث منذ قرون طويله..!!
فهل نعي نحن هذه الحقيقة؟؟