تخطى إلى المحتوى

التزمت .. والتطرف

    ليس من شك في أن الإيمان بالله.. يتحقق باقتناع قلب المرء بوجود خالق لهذا الكون .. فالإيمان محله القلب .. وهذا الاقتناع أو الاعتقاد ينشأ في مخيلة المرء منذ الصغر بالتربية الدينية و القدوة الحسنة.. و التفكير في الظواهر الكونية المحيطة به..!!

    غير أن الطفل عندما يكبر قد يمر بمرحله يتعرض فيها لهزات فكريه نتيجة تأثره بأفكار فلسفيه .. أو تنظيرات ماديه.. أو مروره بمتغيرات مكانيه لا تتفق مع نشأته الدينية في طفولته.. وما كان يعيش في وجدانه .. وربما يتأثر أيضاً نتيجة الانبهار بإنجازات علميه لم يتوقع حدوثها.

    ومرحله الشك هذه هي من أخطر المراحل التي يمر بها الشاب إذا كانت تربيته الدينية ضعيفة .. وبالمقابل قد يتكون لديه رد فعل هذه المتغيرات يتوجس خيفه منها .. فينطوي على نفسه.. و يتزمت في الأمور الدينية!!

    وما دعاني لهذه المقدمة .. هو ما سمعته من أحد الأصدقاء عن غرابه تفكير أحد أبنائه و هو رفضه لمستجدات الحياة العصرية.. واستنكاره لدخول أي وسيلة ترفيه للمنزل لأنها في راية ضد الدين.. كما أنه يشكو من عزوفه عن العمل. وقلة اهتمامه بالدراسة..!! علماً بأن المستجدات الحديثة في حياتنا المعاصرة ليست كلها مرفوضه في مفهوم الدين الإسلامي!!

    فقلت له.. بأن ظاهره (التدين) بين الشباب المسلم في العالم العربي قد أصبحت ملموسه في الوقت الحاضر.. وهناك من يعتقد بأنها ربما تكون رد فعل معاكس لما حل بالعالم العربي من انتكاسات في السنوات الأخيرة وفشل تلك الشعارات و الأيدولوجيات التي أطلقت في مطلع الخمسينات ولم تحقق مكاسب لشعوب المنطقة!! أو أنها تمثل موقفاً رافضاً لاهتمام الناس بالمادة و الابتعاد عن تعاليم العقيدة الإسلامية.. في سلوكيات أي مجتمع. لا يطبق الشريعة الإسلامية..

    ولكن الخوف منها هو في أن تكون مفتعله.. أو موجهه لتحقيق أهداف تؤثر في استقرار الثوابت الأمنية.. وخلق الصراعات الطائفية.. خصوصاً في البلدان العربية التي توجد فيها أقليات عربية غير إسلامية..!!

    فظاهرة التدين لا جدال في إنها ظاهرة صحيحة.. إذا كان يعني التدين التمسك بالتعاليم الإسلامية الحميدة في سلوك الإنسان في الحياة .. أما إذا كان يعني العزوف عن العمل و التزمت و الغلو فهو موقف سلبي لا يتفق مع روح العقيدة الإسلامية!!

    فالشواهد القرآنية.. و الأحاديث النبوية الصحيحة كلها توحي بأن المسلم له أن يتمتع بالطيبات من الرزق.. كما تدعوه بأن يأخذ بأسباب القوة المادية أي أن يكون قوياً بالدين و العلم و العمل.. فليس كل المستجدات الحديثة تتعارض مع تعاليم العقيدة إلا إذا كانت وسيله لهدر الوقت.. و الانشغال بها عن الفروض الدينية الواجبة على كل مسلم ..!!

    فالدعوة للغلو و التزمت و الدعوة للتصوف تعاليم دخيله على الإسلام.. لم تنتشر في العالمين العربي و الإسلامي .. إلا من أجل صرف عقول الشباب المسلم عن أمور الدنيا المفيدة.. أي عن العلم و العمل المؤدي إلى القوة الذاتية للإنسان .. وبالتالي قوة مجتمعه..!!