تناول الأستاذ عبد الله بن إدریس رئيس النادي الأدبي بالرياض في كلمته المنشورة في جريدة الرياض في عددها 6715.موضوعا يثير اهتمام القارئ العربي .. وهو دعوة بعض المفكرين في المملكة والعالم العربي .. ومنهم أستاذنا محمد حسین زيدان ..إلى إعادة كتابة التاريخ من جديد ..!!
وقد تساءل في كلمته عما إذا كان هناك أمة من الأمم التي يعتد بتاريخها .. بل وحتى التي لا يعتد به قد كتبت تاريخها من جديد ..؟؟
وهو تساؤل يومي بانطباعات متباينة تتعلق بمفهوم (إعادة كتابة التاريخ !! ) واحسب أنه يعتقد باستحالة تحقيق ذلك .. غير أنه يرى بأن تاريخ العرب والمسلمين قد شوهته الطوائف الدينية. والشعوبيون.!! فإذا كان مفهوم إعادة كتابة التاريخ .. هو تنقيته من الروايات والأخبار الكاذبة .. وإبراز الجوانب المشرقة فيه .. وإيضاح الأسباب التي أدت إلى الحوادث الدامية .. فهو أمر ممكن .. ومطلوب تحقيقه من قبل المفكرين العرب .. والمهتمين بالدراسات التاريخية في الجامعات العربية .. لأن تاريخ الشعوب العربية والإسلامية قد دونه إخباريون بعضهم يحقد على العرب والإسلام کالاصمعي .. وأبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني وغيرهم كثيرون ومعروف بأن العصر العباسي كان يزخر برواة للحوادث التاريخية اغلبهم شعوبيون لا يضمرون خيرا للعرب والإسلام ..!! كتب التاريخ المعروفة كتاريخ الطبري .. وابن الأثير مثلا .. لا تخلو من الإسرائيليات والأخبار الكاذبة ..!! وقد يكون بعض كتب التاريخ القديمة قد تعرضت للحذف من بعض النساخ ..أو إضافة أخبار كاذبة .. تبعا لأهوائهم وأغراضهم خصوصا في العصر العباسي الثاني ..!!
فالذي يقرأ كتب التاريخ يجد فيها روايات مدسوسة .. وأحاديث منتحله .. وأخبار ملفقة غير صحيحة..!! والسبب هو أن بعض المؤرخين كانوا غير محايدين .. يتحدثون عن الوقائع والأحداث التي جرت في التاريخ حسب ميولهم .. وأهوائهم أو بما يوحي به الوضع السياسي القائم ..!! فالمؤرخون الذين لهم میول أموية قد تحاملوا على العلويين ولما قامت الدولة العباسية كان المؤرخون الذين لهم میول عباسية يتحاملون على الأمويين والعلويين معا .. كما أن التشيع كان له تأثير في نظرة المؤرخ للأحداث .. فالمؤرخون والرواة الذين لهم میول (علويه) تحاملوا على العباسيين وهكذا دوليك ..!! فليس هناك تاريخ يمكن أن تطمئن إليه النفس ويرتاح إليه العقل سوی تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم وتاريخ الخلفاء الراشدين .. كتاريخ ابن هشام مثلا ..!
ومما لا شك فيه بأن كثيرا من الأحداث التاريخية المدونة في قلب التاريخ المعتمدة لها تأثير سلبي
ومحبط في نفس الفارقة الناشئ .. لأنها تحكي عن وقائع وأحداث مؤسفة يجد فيها دعاة الشر مطعنا في أصالة هذا التاريخ .. لذا فإنه ينبغي على من يريد إعادة كتابته أن يوضح الأسباب التي أدت إلى وجود تلك الأحداث !! فاغلب الفتن والمحن والصراعات السياسية الدموية كانت نتيجة لتخطيط وتدبير عقول شعوبية حاقده لا تضمر خيرا للعرب والإسلام ..!! فالفتنة الكبرى في الإسلام .. وجميع الحركات الدموية المؤلمة والنزاعات القبلية في التاريخ كانت بتحريض وتدبير وتفكير يهود .. ومجوس يحقدون على الإسلام .. ونكبة البرامكة التي أشار إليها أخي عبد الله بن إدريس سببها الحقيقي هو تأمرهم على الدولة وتخريب العقول والذمم والأخلاق في الشعوب الخاضعة للدولة العباسية. وليس لأسباب غرامية كما تحکي بعض كتب التاريخ !!
وظاهرة الغلو في التشيع لآل البيت .. وظاهرة الرفض والانعزال. وحركات الخوارج .. والفرق الباطنية وما نتج عنها من أحداث داميه .. لا شك أنها توحي للقارئ الناشئ .. بانطباع مشوه .. وشعور محبط ..!! واعتقد بأنه من المناسب توضيح أسباب وجود هذه الظواهر التي أفرزت تلك الأحداث ..!! فالحوادث التاريخية في زمن الخلفاء الراشدين .. وعهد الفتوحات الإسلامية العظيمة في ظل الدولة الأموية تختلف هدفا .. ومنهجا .. وسلوكا ومبررا عن الأحداث الدامية التي مرت في تاريخ الشعوب الإسلامية فيما بعد ..!! ويجب أن نفرق بين تشويه التاريخ الإسلامي .. وتشويه العقيدة الإسلامية .. فالقصيدة الإسلامية خالده .. رغم جميع المحاولات الحاقدة على الإسلام .. فلم يؤثر فيها وجود مذاهب متطرفة مغاليه عرفت في التاريخ .. ولكن هذه المذاهب الباطية .. بما أفرزته من أحداث هي التي شوهت وجده (التاريخ الإسلامي) .. وحتى لا يقف القارئ للتاريخ متحيرا إذا فرغ من قراءته .. فإنه يجب على من يريد إعادة كتابته أن يوضح دور اليهود .. والشعوبيين المجوس في تدبير تلك الأحداث المحزنة ..!!
وقد تطرق أخي الأستاذ عبد الله ابن إدريس للنصرانية .. عندما ذكر دور بعض الأديان السماوية والديانات الأرضية في تشوية التاريخ الإسلامي ..!!
أما النصرانية فلا اتفق معه في أن لها دورا في ثانوية التاريخ حين تدونيه أو كتابته .. كما فعل اليهود والشعوبيون المجوس .. كما أنه لم يعرف عن معتنقيها أو اتباعها نشر الأفكار السامة .. والمذاهب الهدامة التي أدت للحوادث الدامية والصراعات السياسية في التاريخ .. لأن الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين .. وفي العصر الأموي قد أزاحت حكما استعماريا عن مناطق عربية كانت خاضعة للحكم البيزنطي المسيحي ..!! فلم تحارب النصرانية نفسها .. بدليل وجود هذا الدين في تلك المناطق بعد الفتح الإسلامي وحتى يومنا هذا ..!! ولكنها حاربت المجوسية ولم تسمح بتواجدها في البلاد التي تم فتحها ..!! بل على العكس من ذلك .. فقال رهبان مقاطعة (حران) و رهبان الشام في (انطاكيه) كان لهم دور ایجابي ومفيد في نقل العلوم والمعارف الإنسانية .. إلى اللغة العربية .. ولم يتحدث التاريخ عن زرعهم لأفكار ومذاهب هدامة من الشعوب الإسلامية .. كما فعل اليهود والمجوس ..!!
قد يكون لبعض المستشرقين .. في العصور المتأخرة .. وأغلبهم يهود دور في تشوية الإسلام والتاريخ الإسلامي .. وهذه حقيقة ثابتة ومن المؤسف حقا أن يكون لكتاباتهم تأثير في عقل ونفس بعض المفكرين العرب من المسلمين والمسيحيين لأسباب يطول شرحها .. لذلك فإنني أری بأن (كتابة التاريخ من جديد ..) تعني تنقيته من الروايات الكاذبة التي قد يتأثر بها القارئ الناشئ .. كما تعني أيضا إيضاح الحقائق بالنسبة للحوادث التاريخية ..!! وحبذا لو تقوم الرابطة الإسلامية بهذا العمل (لتخل) التاريخ الإسلامي القديم .. وإصدار (موسوعة تاريخية) يعتمد عليها القارئ للتاريخ وليكون على علم بدور الشعوبية واليهود في أحداثه الدامية ..!!
وفي اعتقادي .. بأن تاريخ الأمة العربية المعاصر هو الأخر لم يكتب بعد علي الوجه الصحيح .. لمعرفة الأخطاء في توجهات الأمة العربية واتجاهاتها ..!! ولمعرفة خفايا الأحداث التي مرت في العالم العربي ..!! فالحوادث التي مرت على الأمة العربية بعد الحرب العالمية الثانية ينبغي أن تكتب بأمانه ووضوح لمعرفة أسباب النكسات والهزائم التي وقعت في العالم العربي على ضوء وثائق مكتوبه لا مجرد اتهامات لهذا الجانب أو ذاك .. أو مجرد تبريرات لما حدث كما يفعل حاليا بعض المؤرخين المعاصرين .. لأن من حق الأمة العربية على من كان له دور أو تأثير في صنع القرارات السياسية .. أو الدعوة لشعارات ومبادئ أن يقول الحق ولو كان على نفسه .. وأن يكشف خفايا تلك الأحداث بمذكرات لنشرها ولو بعد وفاته .. كما يفعل قادة وسياسيو الشعوب الأخرى ..!!
أما إذا كان مفهوم كتابة التاريخ من جديد .. يعني الرجوع للأصالة الإسلامية وتحكيم شريعة الله في الحياة السياسية، والاقتصادية, والاجتماعية للأمة العربية فنحن في المملكة العربية السعودية بحمد الله لم نخرج عن تحكيم شريعة الله في تاريخنا البعيد والقريب .. وسنكون بحول الله سندا ومعينا لها ..؟؟