تخطى إلى المحتوى

الإبداع والنقد والتحديث .. مجلة الحرس الوطني

    لاشك بأن الإبداع في مختلف الأعمال الأدبية يجعل للنقد قيمة في الحياة الثقافية لا تقل عن العمل الأدبي نفسه ..!!

    والإبداع في الأدب والفن يختلف عن التأليف في المعارف الإنسانية النظرية المختلفة لأنها تتناول حقائق ثانية يدركها العقل الإنساني .. فهي لا تخضع لمعطيات النقد .. لأنها تمثل حقائق .. أما الإبداع في الأدب والفن فهو يخاطب عاطفة المتلقي .. وتأثيره قد يختلف أحياناً ولذلك كأن للنقد الأدبي دور بارز في مجال الإبداع !!

    فهناك من يری بأن الإبداع هو في مفارقة المألوف، وهو طرح أو نظرية .. أوجدت مذاهب نقدية منها ما هو معقول ومقبول .. ومنها ما هو تحريف وتبرير لأفكار تتعارض مع الأصالة والتراث ..!! ومن أجل ذلك وجدت إبداعات لا تتفق مع أصالة الشعر العربي لأنها نثر ..!!

    ومن الغريب أن نظرية الثابت والمتحول لم تطبق إلا على الفن الشعري .. لماذا ؟؟ لأنه يمثل أصالة اللغة العربية والشاهد على فصاحتها في كتب التراث العربي .. ولذلك تحاول هذه المذاهب النقدية الحديثة صرف نظر المتلقي العربي عن الشعر العربي الأصيل .. وتجيز الكتابة باللغة العامية أو المحكية .. في الفنون الأدبية .. لتكون اللغة العربية في المستقبل لدى الأجيال القائمة لغة ميتة لا يفهم مفرداتها العامة والخاصة من المثقفين !!

    لكن هل تناول الناقد للإبداع الأدبي وطرح أفكاره عنه بالمناهج النقدية الحديثة هو الذي يجعل للنص الأدبي قيمة جمالية ؟!

    هذه في النظرية التي أثارت كثيراً من الجدل في الغرب عندما ضعف نبض المذاهب النقدية التقليدية الرومانسية وغيرها ..

    ووجدت مناهج نقدية حديثة للأدب كالألسنة التي تلقفتها الساحة الأدبية في جميع البلاد العربية وفكرة الحداثة .. أقول بأنها أحدثت جدلاً كثيراً في الغرب .. ولكنها فشلت في إقناع المتلقي بأفكارها .. وأن بقيت تدرس في الجامعات الغربية لأنها تنطوي على أفكار فلسفية لا علاقة لها بتأثير الإبداع على عاطفة المتلقي .. ولخروجها عن المألوف !!

    ولكنها وجدت في العالم العربي في العقود الثلاثة الماضية وأصبح لها دعاة ونقاد تسلط عليهم الأضواء في وسائل الأعلام !!

    إذن ما هي وظيفة الناقد الأدبي أو رسالته الحقيقية ؟؟ الجواب على هذا السؤال .. هو أن للنقد الأدبي مفهوماً عرفته الحياة الثقافية في كل العصور .. هو إبراز الصور الجمالية والمعطيات الفكرية والعاطفية المؤثرة في نفس المتلقي .. وليس إخضاع النص لمذاهب فلسفيه ودراسات نقدية مسبقة لا تمثل الأفكار التي يريد المبدع إيصالها لذهن المتلقي !!

    يقول أحد الأدباء العرب البارزين .. أن خير منهج للناقد أن ينظر للأثر الأدبي بذائقته الأدبية كاشفاً عن معطياته الجمالية إن وجدت وما أنطبق منه على المفهوم أو المحسوس الجميل وما لم ينطبق ..!!

    وفي اعتقادي بأن أهم أخطاء الناقد الأدبي في الساحة الأدبية عندنا .. هو أن يكون داعية لمذهب نقدي معين .. لا يتفق مع الذائقة العامة .. أو أن يكون مقتنعاً برفض مفهوم موروث أصيل ..

    أو متحمساً لمفهوم نقدي حديث لا يتفق مع الأصالة .. لأنه في هذه الحالة يكون خصماً وحكماً في نفس الوقت ..!! فهذه الازدواجية ليست من صفات الناقد المحايد أو النقد الموضوعي .. لأن الإبداع الأدبي غير التأليف الفكري .. وتقدير الجمال في النصوص الأدبية يخضع لمقاييس جمالية مألوفة في كل لغات العالم ..!!

    وبعض الذين لهم صهيل الجياد الأصيلة في ساحتنا الأدبية .. لن يكون لنقدهم تأثير في الحياة الثقافية لدينا إذا كانوا يلتزمون بمذهب نقدي معين لا يتفق مع لغتنا الشاعرة .. فاللغة العربية لغة بلاغة وبيان تختلف عن اللغات الأخرى..!!

    وأحسب أن ظاهرة رفض الأصالة الشعرية السائدة حالياً في العالم العربي .. ناتجة عن عقد نفسية و بطروحات مؤثره .. لن تأتي بالبديل المفيد للحياة الأدبية .. وأن كان البعض يحاول أن يجعل من القصيدة النثرية منفذاً لعالمية الشعر العربي علماً بأن مثقفي الغرب يدركون بأنه لا يمثل الشعر العربي الأصيل..!!

    وهناك من يعتقد من مثقفينا بأن الشعر النثري تجديداً يتفق مع المعاصرة أو العصرنة كما يقول البعض ..

    وهو تحريف مشبوه .. فالتجديد هو في الأسلوب والصياغة والأخيلة الشعرية .. وفي مضمون ومفهوم النص الشعري .. وليس هو الخروج عن الوزن أو الإيقاع الشعري الجميل..!!