القراءة النقدية لقصائد الأمسية الشعرية التي انعقدت في القصيم بقلم الأستاذ (سعيد السريحي) والمنشورة بتاريخ يوم الأحد 13 صفر الجاري في العدد 4536 من جريدة (اليوم) في المنطقة الشرقية.. قرائه لناقد أعتبره في طليعة النقاد المعاصرين في المملكة ولكني أراه يكرس قلمه لقضية الحداثة في الشعر.. وهي قرائه متحيزه توحي بتوجيهات ناقد يحرص على أن يتعرف على هذه القضية ويهمل أي إنتاج شعري آخر.. كما أنه طرح في قراءته هذه فكره (أقلمه النقد) وهي فكره لا أدري فيما إذا كانت تتفق مع تطلعات الحياة والفكرية في بلادنا وانطلاقتها.. فهي فكره سيكون لها محبذون ومنتقدون ولأن المنادى بها يرى تنويع الأصعدة لمفهوم الحداثة.. في زوبعة من الاجتهادات التي سيكون هو فارسها المجلي.
فالذي يتابع الأستاذ السريحي في كتاباته ومرئياته في جريدة (عكاظ) وفي مناقشاته الأدبية عند حضوره لأي ندوه يجد بأنه من النقاد الملتزمين بفكرة الحداثة.. ولكنه يتمسك بشعره معاوية مع المتلقين الذين لا يحبذون تقويض الحداثة لقواعد الشعر العربي وإن كانوا يتقبلون وجودها في الفنون الأدبية الأخرى.
وقضية الحداثة الشعرية بالذات يبدو لي بأنها حجر الزاوية في الخلاف.. ولأنني ممن يهتم بقضية الشعر أستطيع أن أتعايش مع أفكاره كمفهوم عام للأدب وإنتاج الفكر.. ولكني أختلف معه في تحمسه لقضية الحداثة في الشعر وتحيزه الواضح لها.. ورفضه المفهوم الشعري الموروث.
فإذا كنت أتفق مع مدرسة التجديد في قوالب الشعر التي ظهرت في مطلع الخمسينات وسبق لي أن كنبت مؤيداً هذا الاتجاه في صحفنا المحلية منذ أكثر من عشرين سنه.. إلا إنني أرى بأن الحداثة في الشعرية في الوقت الحاضر لا يمكن أن تسمى شعراً لعدم الالتزام بالتفعيلة العروضية مما جعل من الصعب على المرء قبولها كشعر سواء كان المتلقي وعيه قاصراً أو وعيه مكتملاً كما يقول الناقد.
وإن كان من الجائز قبول الحداثة في الشعر كتعبير نثري جميل عن المعاناة النفسية المتمثلة في إبراز حالة الممزق والقلق في هذه الحياة..!! فالحداثة المقبولة مجالها الأرحب والأوسع يكون في الفنون الأدبية والفكرية الأخرى كالقصة والرواية والمسرحية والنثر الفني أيضاً.. أما الشعر فمن الصعب قبول تحديث شكله وبنائه إلا في حدود ضيقه لا تغيب عن وعي الأستاذ السريحي.
وهذا الكلام يجرنا إلى التساؤل عن ماهيه الحداثة هل هي مجرد لافته لإبراز العضلات؟ أم هي ناتجه عن تأثر الشعراء الشباب بموجه سادت في البلاد العربية الأخرى.. أو بثقافة أدبية غربيه؟ لا أعتقد بأن لهذين العاملين تأثيراً كبيراً.. بقدر ما يمثل إنتاجهم ظاهره ملل.. وتمرد على الموروث الشعري إن صح التعبير.. قد يكون مرجعها العجز.. وقد يكون سببها الميل لإبراز مفاهيم جديدة.. أو التطلع لحياة أفضل.. أو عدم قبول واقع معاش.
إذن هي ظاهره رفض تخضع لمؤثرات وتوجيهات نفسيه وثقافيه.. فالتوجهات النفسية تتمثل في رفض القوالب والأطر الشعرية المعروفة.. أما المؤثرات الثقافية فلا أعتقد بأن لها دوراً بارزاً في تشكيت إنتاجهم الشعري.. فالشعراء الصيخان. والشبيتي وبافقيه والحربي وغيرهم يمثلون ظاهره رفض.. والناقد السريحي نفسه لا يستثنى منهم.. فقد بدأ لي من متابعتي للكتابة النقدية في جريدة (عكاظ) بأنه يلتقي مع الشعراء الشباب في قضيتهم.. بل هو داعيه لهم وحامل لوائهم.
على إنني أعترف برسوخ قدمه كناقد أدبي يوحي بوجود خلفيات ثقافيه ممتازة ربما يكون له تأثير على الحياة الأدبية لدينا في السنوات القادمة إذا تخلى عن عقدة الموروث ونظر إلى الآثار الأدبية بعين مجرده عن الالتزام بنظريه مسبقة.
فنحن نجده في قراءته النقدية التي أشرت إليها يقول بأن الدور الحقيقي للناقد ليس هو الدور التعليمي.. وبأنه من الخطأ النظر إليه موصلاً للتجربة الإبداعية أو وسيطاً بين المبدع والقارئ.. ذلك أن دوره الحقيقي هو الكشف عن القيم الفنية التي يستنبطها من النص.. والقارئ الواعي لا يسعه إلا أن يوافقه على تقريره لدور الناقد إلا إنني ارج بأن الكشف عن القيم الفنية الذي ينادي به فيه نظر.. لأن الكشف عن القيم الفنية قد يخضع للحالة النفسية للناقد.. فأغلب النقاد الذين نقرأ لهم في صحافتنا يخضعون لمؤثرات نفسيه وفكريه قد تكون مقبولة لدينا.. وقد تكون مرفوضة. فالناقد الموضوعي يجب أن ينظر إلى الأثر الأدبي بعيداً عن الالتزام بنظرية سبقه لأنه أن فعل ذلك فسيكون في موقف المؤدي لنقد تعليمي كما فعل الناقد في قراءته النقدية هذه.. وهو موقف يرفضه السريحي نفسه في نصه السابق.. فإذا كان يقصد بالدور التعليمي إرشاد الأديب وتوضيح سقطاته.. فما هو الفرق بين هذا المفهوم و دور السريحي في تلقين المتلقي وتعليمه القيم الفنية في شعر الحداثة فنحن نجده في كشفه للقراء عن القيم الفنية للنصوص الشعرية التي قدمت لندوة الأدب في القصيم يمثل الدور التعليمي بدليل أنه نشر مع قراءته النقدية بعض هذه القصائد للأستاذ الصيخان وعبدالكريم العودة وإن افتقدت نص قصيده الشاعر أحمد الصالح كما أنه أهمل قصائد الشاعر(الدامغ) التي قدمت لهذه الندوة لأسباب قد تكون نفسيه.
أنا لا أتهم الأستاذ السريحي بالتحيز تأبط شراً ولكني أكتشف واقعاً مادياً ملموساً وهو إهماله لشعرعمودي قد يكون في نظر المتلقي لا يقل إبداعاً عن شعر الحداثة.. أقول ذلك متأسفاً لاعتقادي بأن السريحي ثوره نقديه ممتازة قد نعتز بها لدينا إذا تخلصت من هذه الشوائب..
كنت أتمنى عليه بأن يكون ملتزماً بالكشف عن القيم الجمالية في أي أثر أدبي قدم للندوة لا أن يكون داعيه فقط لإنتاج معين.. لأن هذه ليست رس** الناقد.
ومما يستدعي انتباه القارئ عندما تناول قصيدة الشاعر الصيخان المنشورة مع قراءته يكشف عن جمال يعتمده هو ويهمل المعاني الجميلة الموجودة في مطلع هذه القصيدة وأبيات شعريه جميله ليت أن الصيخان يعتمدها دائماً.. فالناقد يدعي بأنها لزوم مالا يلزم ولدليل قوله ما يلي:
وتبتدئ قصيدة الصيخان بأبيات عموديه استثارت تساؤلات عدة واستوعبت تفسيرات مختلفة متباينه لعل أشدها (سذاجة) ذلك التفسير الذي يجعلها محاوله للبرهنة على الاقتدار على الشعر العمودي إلى
آخر هذه السفسطة النقدية المتداعية.. فهي عنده غير ذات قيمة لأن (الرجوع) كما يقول وكلمة الرجوع جعلها بين قوسين إلى الشعر المنثور هو يمنح الشاعر الأصالة.. فحينما تتوقف هذه اللغة الجماعية أي الأبيات العمودية ينفرد الشاعر الصعلوك بمعالم الأصالة.. إلى آخر هذا الكشف العبقري أو النقد المتداعي.. فالناقد يمثل ظاهرة (أرفض) لإنتاج شعري معين.. وهذه لا يعتبر ميزاناً عادلاً للنقد الأدبي فالصيخان في أبياته العمودية لو حكمنا الضمير النقدي العادل لا يقل إبداعاً عن النص الذي أحتفل به الناقد.. فالأبيات مشحونة بمعاناة نفسيه تؤثر في نفس المتلقي العربي الأصيل أكثر مما يؤثر في باقي نص القصيدة.. معاني الأبيات جميله تمثل القلق والتمزق النفسي الذي يوحي به العطش والترحال والضياع في هذه الحياة.
فإذا كانت هذه الأبيات العمودية لا قيمة لها في ميزان نقده وهي الجميلة شكلاً ومعنى وإيحاءاً.. و كذلك قصيدة الأستاذ (الدامغ) المقدمة في الأمسية غير مقبولة لدى الناقد ولا تستحق اكتساب الصعلقه في نظره فإنني أقترح عليه وعلى شعراء الحداثة الذين يتعصب لإنتاجهم إنشاء مجلة أدبيه لتكون منبراً للحداثة الشعرية وليستطيع أن يمنع عنها الشعر العمودي وسنرى مدى رواج هذه المجلة لدى المتلقي..
أعود في ختام كلمتي إلى الاعتراف بأن الأستاذ السريحي ناقد متمكن ولكني أستغرب منه هذا الموقف الذي لا يوحي باحترام الحرف والضمير النقدي العادل وليكن معلوماً لديه بأنني لا أرفض كشفه عن القيم الفنية في شعر الحداثة لدينا إذا كان أصيلاً متجذرا يمثل القلق والتمزق والمعاناة الإنسانية في هذه الحياة.. ولكنني لا أرتضي له بأن يكون (رافضاً) للشعر العمودي حتى ولو كان أصيلاً لا يقل إبداعاً عن الإنتاج الذي يدعو إليه..