تخطى إلى المحتوى

تحية لعبد المحسن مسلم الحليت .. شاعر الوجدان !!

    حقيقة أن الشعر الأصيل يشبه الشريط السينمائي الذي يصور نفسيه الشاعر ونظراته للحياة .. وأجمله و أقربه إلى النفس ما كان تعبيراً صادقاً عن معاناته و تطلعاته .. كما قد يكون شعره تعبيراً حياً عن الأم و أمال شعبه .. فالشاعر الموهوب أبو القاسم الشابي لم ينل من الشهرة ما نال .. إلا لأن معطيات شعره تعبر عن إحساس مرهف بقسوة الحياة و بمعاناة شعبه ..! أما شعر اغلب الشعراء العرب البارزين قديماً و حديثاً فإن الإعجاب به يأتي لأن معطياته الفكرية و أخيلته الشعرية قوية يستجيب لها (ذهن) القارئ فيكون تأثيرها مترفاً إن صح التعبير ..!!

    لذلك أرى بأن شعراء العكفة و الوجدانيات .. وشعراء الملاحم البطولية القومية و الإنسانية يأتون في القمة عند تقييم الأعمال الأدبية .. لأن شعرهم يؤثر في نفس وقلب المتلقي .. أما شعراء الأفكار و المعاني الجميلة و الأخيلة أو الصور الشعرية سواءا كانت محاكاة للطبيعة أو غيرها تكون معطيات شعرهم مترفه لا تؤثر في قلب و نفس القارئ ..!!

    فنحن نقرأ لشاعر بارز مثل مطران خليل مطران أو اليا أبو ماضي شعراً متأملا في الطبيعة و الحياة و الموت و الجمال .. فنعجب به و نتأثر بمعطياته الحسيه و المعنوية, ولكننا قد لا نتعاطف معه ..!! ونقرأ شعراً لشاعر موهوب مثل أبي القاسم الشابي أو عبد الحميد الديب شاعر البؤس و الحرمان فتتعاطف معه فيكون فوق الإعجاب به ..قريباً من قلوبنا و نفوسنا ..!! و أبو الطيب المتنبي برغم إعجاب القارئ بشوارده الخالدة لا تغني شوارد شعره عن روميات أبي فراس الحمداني مثلاً .. لأنك تتعاطف معه و تحس بألمه و معاناته و تعجب بنخوته ورجولته !!

    كما أن حوليات أبي تمام لا تؤثر في نفس وقلب المتلقي تأثير هامشيات الشريف الرضي .. و الأمثلة كثيره على هذه المقاييس .. أو المقارنة !!

    هذه مقدمة لا أدري فيما إذا كانت مقبولة لدى النقاد. ولكني وجدت نفسي أعبر عنها بعد قراءتي لديوان (مقاطع من الوجدان) للشاعر الشاب (عبد المحسن حليت أل مسلم) ولا شك بأن من يقرأ شعره يحس فوق الإعجاب به بتعاطف مع الشاعر لأن أكثر شعره عن معاناته في الحياة .. ولست هنا في مجال تحليل المؤثرات النفسية البارزة في معطيات شعره أو بيان محاسنه و عيوبه بالشواهد و الأمثلة لأن هذا الموضوع يستوجب دراسة متكاملة .. و أعتقد بأن كثيراً من الأشخاص قد كتب عنه في صحافتنا .. كما أن شاعرنا الكبير (عمر أبو ريشه)توج الديوان بكلمة هامسه تدل على ارتياحه من بوادره أو تجاربه الشعرية ..!!

    وقد تلوث الديوان حديثاً بعد أن قرأت له بعض القصائد التي كان ينشرها في جريدة المدينة المنورة خلفت نظري قوة تعبيره و تمكنه من الأداء الشعري الموسيقي الجميل ..!!

    فأجمل شعره هو الوجداني .. وفي مطلع الديوان يجد القارئ مقطوعه شعرية جميلة يهدي بها ديوانه لأبيه .. يقول فيها:

    لن يجزي الشعر مهما رق ما صنعت

    يداك .. يا أطهر الأحباب وجداناً!!

    لوضعته من نصوص الدر لاعتذرت

    بعجزها .. أن يوفي الحق شكراناً !!

    لكن لي من صميم الروح أعنيه

    فيها نظمت عقود الحب .. ألحانا !!

    مهلاً أبي .. فابنك الشادي بفضلك قد

    أهدك قلباً .. و ما أهداك ديواناً !!

    وهل في الوجود شيء أجمل من قلب يهديه إبن لوالده؟ و قصيدته التي يعبر فيها عن حبه (لجدة) من أجمل قصائده معنى و تركيباً موسيقياً شيقاً يؤثر في نفس الإنسان .. كما أن شوقه لوالدته بعد غياب عنها للدراسة يوحي للقارئ بصدق عاطفته و تمسكه بدينه و بأجمل و أغلى ما في دنياه من تقاليد حميدة .. و بحنينه لبلده و نبل محتده ..!! فمن حق الشاعر الواعد أن نحييه .. وإذا كان لابد لي من همس ..أهمسه في إذن الشاعر فإنني أتمنى عليه أن لا ينظم قصائده على وزن و قافيه (قصائد) معروفه و مشهوره لشعراء قدماء و محدثين لأن هذا يوحي بالتقليد .. وهو غني عن هذا .. لأن أسلوبه قوي و تعبيره و اختياره للألفاظ الشعرية الجميلة يدل على موهبة أصيله و استعداد لأن تكون له شخصية متميزة عن غيره من الشعراء المحدثين ..!!

    وأي شاعر لديه هذه الإمكانيات أعتقد بأنه قادر على أن ينظم شعراً تبرز فيه شخصيته و تجديده !!

    و أرجو أن لا يكون همسي هذا تقبلاً على سمعه .. كما أعتبر شاعر شاب أخر حدثني عن ديوانه الذي أعجبت به تطفلاً لا يليق بقدره و مكانته فأمطرني بيضاً فاسداً يدل على الغرور فقلت في نفسي قاتل الله الغرور .. فلو كان رجلاً لقتلته ..!! و لك وله بالرغم من ذلك أطيب تمنياتي ..