تخطى إلى المحتوى

المادية .. والمثالية الأخلاقية

    الطبيعة البشرية وما يكتنفها من صراع بين الخير والشر في الحياة الإنسانية هي مشكلة الإنسان منذ أقدم العصور ومن يتمعن في الأحداث التاريخية البعيدة والقريبة.. ما كان منها مأساوياً.. وما كان منها تنويراً لعقل الإنسان وإيقاظاً لضميره.. يجد أن الأحداث المأساوية في التاريخ ناتجه عن إرادة فردية أو جماعية منغمسة في الأغراض والأهواء النفسية والمنافع الشخصية التي تفتقر للمثالية الأخلاقية.. أما التي كانت تنويراً لعقل الإنسان وضميره فهي من صنع إرادة حره تؤمن بالقيم والمبادئ والمثل الأخلاقية..!

    وتجربة الأديان السماوية هي في قمة هذا التنوير والتبصير لعقل الإنسان لأنها انتشلته من جاهليته وأعتقته من عبوديته لغير الله ومن خضوع إرادته لسلطان المادة.. وأوجدت فيه نزعه روحيه كان يفتقدها في جاهليته.. وإرادة حره تؤمن بحكمة العقل ونداء الضمير..!!

    هذه الخاطرة طرأت لذهني عندما قرأت كتاباً يناقش مبدأين أو منهجين كتب عنهما الكثير من المفكرين في الشرق والغرب.. وأحتل مفهوم كل منها حيزاً في ذهن الإنسان المثقف وتفكيره في العقود المتأخرة لعالمنا المعاصر.. وهما مبدأ المثالية الأخلاقية والمبدأ المادي الذي يفسر الطبيعة البشرية والكون تفسيراً مادياً.. كالوجودية والشيوعية والعدمية وغيرها.. وهي فلسفات متطرفة أخذت على عاتقها محاربة الأديان السماوية لاهتمام هذه الأديان بالناحية الروحية للإنسان.. وتطوير علاقته بنفسه وخالقه وعلاقته بالآخرين..!!

    وإذا كان المجال هنا لا يتسع لمناقشة الفلسفة المادية الملحدة فإنني أعتقد بأن الإنسان – أياً كان – وبالتالي التكوينات البشرية لا يمكن أن تتحقق لها حياة مستقرة خاليه من الصراعات والنزاعات والحروب.. إلا إذا كان هناك توافق بين عقل الإنسان وضميره..!!

    فالناحية الروحية مهمه في حياة الإنسان.. كما أن مطالبة المادية التي يخضع لها بإرادته حقيقة أزليه.. وما لم يكن هناك توازن بين مطالب الروح ومطالب الجسد لدى الإنسان وتعايش بين عقله وضميره.. فإن القوة المادية في الحياة الإنسانية سوف تستبد بالضعيف.

    ولذلك نجد أن الدين الإسلامي الحنيف لا يهمل مطالب الإنسان الجسدية.. ولكنه يحد من تطرفها بالثواب والعقاب.. ويقوي النزعة الأخلاقية في ضميره..!