تخطى إلى المحتوى

الشعر العامي

    أحسب أن الحوار الذي يثار من وقت لآخر في (عزيزتي الجزيرة) عن الشعر العامي.. حوار للأجيال القادمة مفيد.. ومنه نستفيد..!! والتعليق الذي كتبه الأخ (عبد الرحمن محمد المحيميدي) ويبدو أنه من (عنيزة) باريس نجد قد أثار أشكال استقبال الشعر العامي.. وقال بأنه يعود للذوق الشخصي.. وليس على أساس لغوي.. وأن جغرافية ليست ممتدة.. بل محصورة في بيئة معينه.. كما أثار موضوع اختلاف وتعدد (اللحون) ويقصد الوزن والمفردات اللغوية (العامية) وقال بأنه يصعب على المتلقي استقبالها حتى وإن كان عضواً في شعب واحد.. إلا إذا كان يفهم مدلول هذه المفردات وتستسيغ أذنه هذه (اللحون)..!! وهذه هي نقطة الضعف في الشعر العامي.!

    ولكن هناك حقيقة يجب أن لا تغيب عن الذهن وهي أن معطيات الشعر العامي الجميلة لا تقل عن معطيات الشعر الفصيح.. لأنه لا يخلو من التخييل المؤثر في النفس.. فالعوفي يقول:

    يا طارش من فوق سراقه الوطا

    هميم الا سارت ذعرها أظلالها

    هايل ثمان اسنين ما مس خلقها

    ولا بركت للشيل.. شيل احمالها

    ألا بدا لي لازم قلت شدها

    وأضبط من الفزات مقضية أحبالها

    فهو يصف ناقه قوية لأنها لم تلد منذ ثمانية أعوام.. سريعة العدو تسابق ظلها خوفاً من أن يسبقها خفيه الصوت في جريها.. ويطلب شد وكرها جيداً لأنها تقفز(طعوس) الرمل وأي شيء ناتئ عن استحثاثها..!! فالنص فيه تخيل جميل لا يقل إبداعاً وبراعه عن وصف الناقه في الشعر العربي.. ولا يفهم تخييله إلا من عاش في قلب الجزيرة وشاهد الفيافي والقفار في تلك المنطقة.!

    وأنا شخصياً من المعجبين بشعر(بديوي الوقداني) المسكون بعزه النفي والأنفة.. والمفتوه بالحكمة والمثل الشرود.. وبواعثه في تصوير معاناته في الحياة.. يقول:

    عفت المنازل وروحي يوم اجنبها

    منها غنيمة.. ومنها البعد اولالى

    لا خير في ديره يشقي العزيز أبها

    يمشي مع الناس في ضيم واذلال

    عز الفتى راس ماله من مكاسبها

    يا مرتضي الهون..لا عز ولا مال

    لا تقرب الدار والقالات تخربها

    بع الردي بالخسارة واشتري الغالي

    وهذا تعبير جميل عن عزة النفس.. لا يقل براعه عن التعبير المماثل له في الشعر العربي الفصيح..!! إذن القضية ليست هي في رفض أو قبول الشعر العامي.. فالجيد منه يفرض وجوده.. غير أن المشكلة هي في نشر الصحافة كل ما يصل إليها منه حتى وإن كان رديئاً.. وتسليط الأضواء عليه دون مبرر.