منذ أن بدأ الدكتور (سعد البازعي) يتواجد في الساحة الأدبية.. وأنا أقرأ له باهتمام.. لأنه يمثل طموحات حديثة في مجال النقد الأدبي.. تـوحي بثقافـة نقـدية متميزة.. ويخيل إلي بأنه ينظر للنص الأدبي – عموماً – من خلال نافذة جمالية لا تتكئ على أطر أو قيود منهجية معينة..!!
وعلى الرغم من إنني أختلف معه في تصوره للإشكاليات الحديثة في الشعر العربي.. غير أنني أعتقد بأنه لا ينطلق في حديثه عن النصوص الأدبية مقلداً أو محاكياً مناهج حديثة. لإثبات وجود (شللي) منغلق..!! وإنما هو يختزن في ذاته إحساس إنسان يتطلع. للجید والأجدر في الفنون الأدبية.. أي إنه غير متأثر أو منبهر بأضواء مسلطة على مفاهيم إبداعية معينة..!! فمشكلة النقد الأدبي في العالم العربي منذ مطلع الستينات قد تجسدت في معطيات نقدية ملتـزمة حتى النخاع (بایدیولوجیات) معينة.. بأقلام النقاد الذين تناولوا التجارب الشعرية للسياب والبياتي والجواهري وغيرهم.. وأغلب هؤلاء النقاد من العراق الشقيق.. وأخيراً ابتليت الساحة النقدية – في العالم العربي- بمناهج نقدية غربية حديثة. لا تنسجم مع المفهوم الموروث للإبداع الشعري في لغتنا العربية..!!
فالناقد الأدبي في رأيي لا يستطيع أن يكون ناقداً مبدعاً إذا أعتمد منهجا نقدياً معيناً. أو التزم بمذهب سياسي ينغمس فيه وإنما یستطیع أن یکون ناقداً مثالياً في نقده ومؤثراً في الحياة الأدبية إذا أعتمد الإحساس الفني في ذاته والمقياس الجمالي في نقده!!
وكل مهتم بالأدب والثقافة في بلادنا.. لا شك بأنه يصبح سعيداً إذا تواجد في الساحة الأدبية ناقد لدية خلفات ثقافية. وموهبة نقدية.. وكان هناك توازن نفسي يسود إبداعه النقدي.. غير الملتزم بمذهب.. أو متأثراً بمنهج مسبق يطرح بدعوى التجديد في النقد الأدبي..!!
والدكتور البازعي إذا أنطلق من بعض القيود التي تشده نفسياً أو عاطفياً.. لا شك بأنه يستطيع أن يكون ذلك الناقد الذي تحتاجه الساحة الأدبية..!! فقد لفت نظري مؤخراً بأجوبته على أسئلة الأستاذ (حزام العتيبي) حول المستجدات الأدبية الحديثة.. والقصيدة النثرية.. وما يسم بالموسيقى الداخلية في الشعر العربي..!!
وإذا كان مهتماً بالتجريب في شعرنا العربي.. ولا نقول التجديد.. لأن محتوى هذه الكلمة يثور فيها الخلاف.. فنحن معه في أن القصيدة النثرية لا تخلو من نفس شعري كأي نص أدبي آخر.. وإنما على الناقد الواعي أن لا يعتمد على تهافت التبخير والتطبيب للتجريب (النثري) في الشعر العربي.. لأنه في هذه الحالة يخدع صاحب النص.. كما يخدع المتلقي الذي يعتقد بريادته النقدية.. وأستاذيته في الفنون الأدبية..!!
نحن معه في أن التجارب الإبداعية (التجريبية) في قصيدة النثر قد لا تخلو من (تخييل) كالنثر الفني.. أو صدى لفكر واع بإرهاصات الحياة.. ولكن التصور.. أو محاولة التصور بأنها تظل (شعراً).. أو أنها ستكون بديلاً عن الشعر العربي الموزون..
المرفوض نفسياً من أغلب النقاد الشباب.. هو
تصور مخالف للمقاييس الأدبية المعروفة في لغتنا العربية..!!
فالمطلوب من الناقد لدينا بناء على هذه الحقيقة.. هو اعتماد مذهب نقدي يؤكد الالتزام بالوزن الذي يميز الشعر عن النثر.. ليكون هناك مفهوم يتفق مع طبيعة الأشياء.. ويتفق أيضاً مع ذوق المتلقي للنص الشعري..!! مع التأكيد على ضرورة أن يكون الأسلوب أو التعبير في هذا النص رفيعاً..
مؤثراً بأخيلته المجنحة.. ومعانيه الجميلة التي تصور المعاناة الإنسانية.. أو التجريد الفكري كالشعر المهجري مثلاً..!!
فالتجريب في القصيدة النثرية لا ينبغي أن يثير اهتمام الناقد.. باعتباره تجربة شعرية جديرة باهتمامه ومتابعته.. لمجرد الرغبة في (التجريب).. وإن كان لها الحق في أن تجد مكاناً في الحياة الأدبية..!!
فأنت في ردك على السؤال الذي وجه إليك..
قد ذكرت الحقيقة.. وتخليت عنها في وقت
واحد.. فعندما تقول (لو أردنا أن نكون) عمليين في تحديد المصطلح وأنت طبعاً تقصد مصطلح الشعر فقد لا أسمي قصيدة النثر قصيدة..!! وهذه لفظة مبهمة).. ولا أقول هذا للإشباع رغبة البعض في إسقاطها من المستوى الشعري.. لكن الشعر في نظري يشمل القصيدة وما سواها.. فالقصيدة نوع
أدبي يسعى إلى الشعر.. وهي حالة إبداعية مميزه.. ألسنا نقول إن الشعر يوجد في الرواية أو في القصة؟؟ انتهى.
ونحن معك في أنها -أي القصيدة النثرية – نوع من الكتابة الأدبية كالنثر الفني والنص القصصي المكتوب بأسلوب جميل.. وإن لم تكن كذلك فلا قيمة إبداعية لها.. ولكن يا أخي العزيز.. لماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها؟؟
هذا مجرد تعقيب ليس الهدف منه التقليل من قيمة طموحات أدبية.. أو الادعاء بسطحية ما تبدعه الخيول النافرة المغردة بأعذب الألحان.. والمتطلعة لغد أفضل في الحياة المعاصرة.. لأن لها الحق في التعبير عن أفكارها بالوسيلة التي تستطيع الإبداع
فيها.. ولكني أعتقد بأن الناقد المثقف الذي لا يلتزم بتوجه نقدي يخدم الحقيقة مسؤول ضميريا لإخفائه الحقيقة..!! لأنه يخدع المتلقي الناشئ!!
فإذا كان هناك من يريد أو يتمنى ذبح ذلك الطائر الجميل المغرد في الأجواء العربية منذ أجيال سحيقة.. وهو الشعر العربي.. فهل نقوم نحن بهذا الدور..؟؟ هذا هو السؤال المطروح ولك تحياتي..!!