تخطى إلى المحتوى

لماذا نتذكر دي سوسير وننسى علماء العربية .. جريدة الجزيرة

    الحديث الذي أجراه معي الأخ الأستاذ إبراهيم التركي المشرف على الصفحة الأدبية في جريدة (الجزيرة) عن القضايا المثارة في الساحة.. لا أدري مدى قبول البعض لما جاء فيه من أراء.. تجاه الطروحات الحديثة في الأدب التي أصبحت كالسيل المنهمر في صحافتنا..!!

    ولكني مع ذلك مؤمن بأن الحقيقة ستبقي دائما مع الحق..!!

    وقد لفت نظري التباس في سياق الحديث عن موقف الدكتور عبدالله الغذامي. وهو الأستاذ الضليع في مجال النقد الأدبي في المملكة.. هو قولي بأنني أؤيده في تعصبه للحداثة في الشعر بالذات..!!

    أما أن يتعصب للحداثة في القصة والرواية والنثر الفني فهذا ما لا أرضاه له.. غير أن العكس هو الذي كنت أقصده.. ولعل القارئ يدرك ذلك من سياق الحديث..!!

    فالذي أخالفه فيه هو موقفه من الشعر النثري الحديث لاعتقادي بأن ما كان يكتبه عنه تأثيراً لهذا الاتجاه وفلسفه لمعطياته، والتلاعب بالألفاظ للترويج له وتمجيده يعتبر تعصباً وتغريراً بالمتلقي الناشئ.. وأن مقارنته تلك التجارب الشعرية (النثرية) الحداثية بتجارب شعريه معروفه في تاريخ الأدب العربي خرجت عن الأوزان الخليليه كالموشحات هي مقارنه غير صحيحة لأن تلك التجارب موزونه بتفعيله معينه وليست نثراً..!!

    فنحن كقراء نفهم المعطيات الشكلية للشعر العربي.. ولن تجوزعلينا المحاولات التبريرية لهذا الاتجاه المضر بالشعر العربي الأصيل..!

    وإذا كان هناك تجارب شعريه ظهرت في الأربعينات ومطلع الخمسينات قبلها البعض ورفضها آخرون ابتدعتها نازك الملائكة وبعض الشعراء في العالم العربي فهي أيضاً موزونه بتفعيله معينه ولا يمكن قياس الشعر النثري الحداثي بها..!!

    وعندما أعارض الاتجاه النثري في الشعر وأعتبره تخريباً لبنيه الشعر العربي الموروث لا أنطلق من تفكير مغلق.. أو تخلف معرفي كما يعتقد المتأثرون بالطروحات الحديثة وتنظيرات أصحاب مجله شعر التي خدعت مع الأسف عقول الكثرين في العالم العربي..!!

    ونظرية الثابت والمتحول التي قال بها على أحمد سعيد في موضوع الثابت والمتحول في اللغة ومعطيات النصوص الأدبية وخدعت الكثير من المبدعين الشباب في العالم العربي.. إنما هي تنظير مشبوه يقف خلفه أعداء اللغة العربية.!!

    ولا شك بأنه قد أستوحى ما جاء في كتابه هذا من مذاهب ومناهج غربيه حديثه.. وإذا كان مفهومها ينطبق على لغات أوروبية قديمة كاللاتينية.. والجرمانية.. والسلافية.. التي تولد أو تمخض عنها عبر الأجيال لغات حديثه حيه أصبحت صالحه للتعبير عن الإبداع الأدبي لتلك الشعوب.. فلا ينبغي أن ننخدع وننبهر بها..!!

    والدراسات المنهجية في اللسانيات الحديثة.. أو الأسلوبية ونظريات المعرفة التي فتنت كثيراً من الدارسين في الغرب وأهتم بها النقاد المعاصرين في العالم العربي.. ينبغي ألا تكون منهجاً ينطبق بالضرورة على اللغة العربية..!! لأن هذه اللغة لم تتولد منها (لغات حيه حديثه) صالحه للتعبير عن الإبداع في الفنون الأدبية..!! أي أن نظرية الثابت والمتحول التي قال عنها أدونيس لا تنطبق على هذه اللغة..!!

    ولكن يبدو لي بأن دعاة هذا الاتجاه في مغرب العالم العربي ومشرقه يحاولون ترويج هذه المناهج في وسائل الإعلام المختلفة لإقناع المتلقي الناشئ بغرض أن اللغة العربية الفصحى يمكن أن تمر بالمراحل التاريخية التي مرت بها اللغة اللاتينية مثلاً.. وتولد عنها لغات حيه حديثه.. هي الفرنسية والإيطالية، والرومانية، والإسبانية، والبرتغالية.. وهذا المفهوم هو ما كانت تدور حوله أبحاث ومحاضرات العالم اللغوي السويسري (دي سوسير) الذي يعتبر عند النقاد واللسانيين في الغرب مفجر فكره المنهج البنيوي والتشريحي والأسلوبي..!! وأعتبره بعض النقاد العرب أساس للدراسات اللسانية.. وينسون أو يتناسون ما خلفه علماء اللغة العربية من تراث في هذا المجال.!!

    وفي تصويري أن تسليط الأضواء على هذه المناهج في الصحف العربية.. في السنوات الأخيرة وتقعيد الشعر النثري وحرص البعض من الغربيين على ترجمته ولفت الأنظار إليه في الندوات.. والدعوة للإبداع الأدبي باللغة المحكية.. والقول بأن اللغة العربية عاجزه عن مسايره ما يستجد من علوم وفنون حديثه.. وأن الشعر العمودي الموروث قد أصبح محاكاة واجترارا مرفوضاً.. والهجوم أحياناً على اللغة العربية الفصحى..

    والتشكيك بحقيقه الشعر الجاهلي.. والقول بأن اللغة العربية الفصحى كانت في الأصل عاميه.. والحديث المتواتر عن الفلكلور.. والشعر العامي وتسليط الأضواء عليه.. كل ذلك يوحي بهجوم فكري منظم ضد اللغة العربية الفصحى.!!

    قد يقال بأن اللغة العربية خالده.. وهذا حق.. ولكن يجب علينا إلا ننسى بأن المحافظة عليها مطلوبة منا عقلاً ومنطقاً..!!

    ولن يكون ذلك إلا بتنفيذ هذه المحاولات المؤثرة في عقليه الأجيال القادمة.. وإذا كنا نعتز بتراثنا ولغتنا الخالدة هذه فيجب ألا نهتم في صحافتنا بترويج تلك الطروحات والنظريات التي تضلل عقل المتلقي بالمنهجية العلمية، والرؤية المستقبلية، والمعاصرة وليس معنى ذلك الانغلاق في وجه الثقافة الغربية المفيدة سواء كانت نظرية – أي العلوم الإنسانية أو علمية حديثة..!!

    ونحن في المملكة من أولى الناس واجباً بالمحافظة على لغتنا الخالدة.. والله الهادي إلى سواء السبيل..