تخطى إلى المحتوى

بيت في مزرعة العداوات ودعوة للتخلص من الفشل .. جريدة الرياض

    التحليل السياسي الذي كتبه رئيس التحرير الأستاذ تركي عبدالله السديري بعنوان (بيت في مزرعة العداوات) في جريدة الرياض عدد 5034 يضع النقاط على الحروف, فهو تحليل سياسي صائب.. يكشف للقارئ العربي مدى فشل التعامل العربي.. وتفشيل الأماني القومية التي تتطلع إليها الشعوب العربية في التعاون والتضامن لمواجهه الأخطار.. فالعالم العربي كما قال رئيس التحرير لا يمثل فقط روابط تاريخيه في العقيدة والثقافة، والأنماط الاجتماعية، ولكنه يمثل في الواقع عداوات تاريخيه ظلت تتجاذب العواصم العربية..!!

    وهو واقع ملموس.. منذ قيام دولة إسرائيل.. والمناداة بالوحدة بين الأقطار العربية تعرض العالم العربي لأحداث لم تزده إلا تباعداً بسبب تلك العداوات التاريخية التي كانت تسيطر على نفسيه بعض الحكام العرب، وبسبب اختلاف الأنظمة لاحقاً..!! ومن هنا سهل على أعداء الأمة العربية تنفيذ مخططات ومؤامرات نتيجة لهذه العداوات، ولجهل من يتعاملون بالسياسة في العالم العربي بجديه بل ومرامي هذه المخططات..!

    فالمفكرون السياسيون في الغرب وغيره.. يرون بأن الفكر السياسي العربي غير ناضج ويحكمون على العرب بعدم قدرتهم على تحديد أهدافهم المستقبلية.. زبان تعاملهم مع الأحداث التي تمر بهم يكون بطريقة سطحية.. وتفاعلهم معها يكون عاطفياً لا عقلانياً..!! فهم يرفضون حلولاً متاحه ثم لا يلبثون أن يطالبوا بها بعد تغير الواقع واستمرار الحالة الراهنة بلغة السياسة!! حتى المؤتمرات التي يعقدونها – وما أكثرها- تكون قراراتها هشه التماسك لا تلبث أن تتحطم نتيجة لحوادث مفتعله أو وجود قضية جديدة لأن النية كانت مبيته في الأساس لدى بعض الحكومات العربية لإفشالها..!! ولوجود هذه النوايا، ولكون الفكر السياسي ضعيفاً والوعي العربي غير مكتمل النمو تنشأ حاله راهنه يفشل العرب في حلها..

    ونحن إذا أمعنا النظر في الانقلابات العسكرية التي وقعت في بعض البلاد العربية وأولها انقلاب حسني الزعيم طيب الذكر..

    نجد أن المبرر الذي قامت من أجله هذه الانقلابات هو ضياع فلسطين.. أو خيانة القضية العربية.. غير أن هذه الانقلابات لم تؤد إلا لتكريس هذا الضياع.. والتفريط في حقوق مواطني البلد الذي وقع فيه الانقلاب..

    ونشوء اختلافات تؤدي إلى فشل التعامل العربي السليم.. لأنها-أي الانقلابات – لم تكن إلا ترجمة لمخططات كانت مختفيه في الظل، لم تستطع الحكومات العربية الأخرى ولا الشعوب العربية إدراك مراميها.. وأعتقد بأن هذه المخططات ليس لغزاً محيراً.. وما هي بالخافية على الإنسان الواعي.. ولكن هناك أسباب وأسباب هيأت المناخ المناسب لتنفيذها..!!

    ومن المحزن المبكي حقاً أن يكون قيام دولة إسرائيل في فلسطين مبرراً لتكديس الأسلحة الحديثة في بعض الدول العربية التي تتمسك بقميص عثمان..

    وتنادي بالثارات وتوزع التهم والتهجمات.. ثم نستيقظ فإذا هذا السلاح قد أصبح أداة للانقلابات وتدبير المؤامرات ضد هذه الدولة أو تلك..!! أو يكون هذا السلاح لقمه سائغه يتحطم بضربه قاضيه انتظرناها من الغرب.. فكانت من الشرق!!

    هذه هي الحقيقة مع الأسف منذ قيام دولة إسرائيل والمناداة بالوحدة العربية المزعومة..!! وهي حقيقة مؤلمه ومخزيه تمثل قمه الفشل في فهم ما يجري في العالم العربي وذروه التحدي للأماني القومية العربية نتيجة لعداوات تاريخيه سابقه ومخططات مشبوهة لعرقله تحقيق الوحدة أو حتى التضامن العربي من أجل تأمين المستقبل الزاهر للأمة العربية؟؟!!

    فالوحدة العربية أو التضامن فكره لا تلقي ارتياحا من الشرق والغرب مع الأسف منذ أمد بعيد.. فالوحدة العربية كانت ولا تزال في مفهوم المسيحية المتعصبة.. وفي تصور الاستعمار تعني قيام دولة قوية في منطقة الشرق الأوسط.. وعداء هذه الجهات عداء تقليدي تاريخي منذ الحروب الصليبية.. ولا يظن القارئ بأن العداء محصور في نفسيه الغرب فقط.. بل أن دهاقنة السياسة في الشرق لا يريدون قيام هذه الدولة الإسلامية فهم يحاربونها في الخفاء بواسطة طرف آخر..!! فعداؤهم هذا ينطلق من مفهوم أيديولوجي ملحد معارض بطبيعته وتكوينه النفسي للأديان السماوية.. فإذا كانت عداوة الغرب مكشوفه ومعرضه لنقمة الشعوب العربية.. فإن عداء الشرق خفي ولكن تأثيره على حاضر ومستقبل الشعوب العربية أشد وأذكى..!!

    وقد ثبت أخيراً – وبعد فوات الأوان – من وثائق ومؤلفات طبعت في الغرب بأن أغلب الانقلابات العسكرية التي حدثت في العالم العربي كان بعضها بوحي من دوائر أجنبية.. وبعضها نتيجة لدراسة وتخطيط مسبق..

    وقد كنت شاهداً ومعاصراً لانسحاب دولة غربية من إقليم عربي كانت تستعمره.. وبدلاً من تسليم السلطة للحكومة الشرعية التي كانت ترعاها ومحاولة حمايتها – وهي قادره على ذلك- تركت السلطة لقمه سائغه أحزب ثوري معادي لمصالحها..!! وقد كان لهذا الحادث تعليلات وتبريرات.. في تلك الفترة ولكني أعتقد بزن هذه الخطوة كانت مدبره ومقصودة لإيجاد حكومة أو نظام مختلف في المنطقة.. لماذا حدث هذا؟؟ إنه سر من أسرار لعبه الأمم..

    ونظريه أو فكره كسر احتكار السلاح الذي هلل وطبل لها العالم العربي في مطلع الخمسينات الأخيرة هي محسوبة في نطاق هذه اللعبة.. لأن وجود موطئ قدم للاتحاد السوفياتي في العالم العربي. أو في منطقة الشرق الأوسط سيكون ورقه رابحه في أيدي أعداء الأمه العربية في المدى القريب أو البعيد..!!

    فالذي يستقرئ الأحداث التي مرت في العالم العربي.. ويمعن النظر في مردودها وأسبابها ونتائجها يجد أنها كانت مدبره ومقصودة.. فالانقلابات. ونظريه كسر احتكار السلاح وحوادث قناة السويس.. وانسحاب الولايات المتحدة من تنفيذ السد العالي في مصر وحوادث كثيره سيكشف عنها المستقبل.. وإن كان بعضها يمثل أعمالاً بطولية في ظاهرها إلا أنها كانت مدروسة هيأت لها الصهيونية العالمية.. ونفذها بعض الحكام العرب بوعي أو بدون وعي الله أعلم..!

    وإذا كان للعرب من أتباع سياسة عقلانية واعيه فأعتقد بأن ذلك لا يكون إلا بتفهم سياسة الصهيونية العالمية فيما يتعلق بمنطقه الشرق الأوسط ومحاوله تفشيل مخططاتها.. ودراسة دور إسرائيل فيها.!! ومحاولة عدم إيجاد مبرر.. أو حجه تستغلها إسرائيل لتخويف الولايات المتحدة والغرب من موقف الدول العربية يستشف منه محاربه مصالحها..!! وليس معنى ذلك معاداة مصالح الاتحاد السوفياتي الاقتصادية إذا كان يهدف للتعاون الاقتصادي.. لأن الورقة الرابحة التي بيد إسرائيل أخيراً هي تخويف الغرب من روسيا.. وما عملية ضم الجولان مؤخراً إلا نتيجة لوجود هذه الورقة الرابحة.. فلو لم تكن سوريا منحازة لروسيا ومعاديه للولايات المتحدة لما جرأت إسرائيل على هذه الخطوة..!! والتفاهم الإستراتيجي الموقع أخيراً بين الولايات المتحدة وإسرائيل يجن على العرب أن ينظروا إليه من هذه الزاوية.. فهو رد أو مزايده من قبل إسرائيل على السياسة المصرية التي اعتمدت التقارب مع الولايات المتحدة مؤخراً..!

    أعود فأقول بأن على الحكام العرب مسؤولية تاريخيه في إنقاذ الشعوب العربية من الخلافات.. والمزايدات.. وتهيئه المناخ لتنفيذ مخططات أعداء الأمه العربية.. وبأن على الشعوب العربية التيقظ والانتباه لما يدور حولها من أحداث.. وأعتقد بأن الشعوب العربية تستطيع أن تتحكم في مصيرها بمطالبة حكوماتها بما يلي:

    ١-قيام نظام ديموقراطي يحترم الشرعية.. ويعارض مبدأ الانقلابات العسكرية.. والالتزام بحق قيام معارضة لهذه الحكومة لمراقبتها وانتقاد سياساتها الخارجية والداخلية. ورفع الرقابة عن الصحف وكفالة حرية التعبير.. فتجربة الحزب الواحد في بعض البلاد العربية ثبت فشلها وهي في رأيي سبب تخلف الوعي السياسي لدى هذه الشعوب!!

    ٢- تحييد الجيش وتكريس جهود أفراده للدفاع..

    ٣- الكف عن إطلاق شعار القومية العربية. واعتناق مبادئ أيديولوجية غريبة عن طبيعة الشعوب العربية وتكوينها.. فالأولى ثبت فشلها لأسباب عرقيه على الأرجح.. والثانية ثبت فشلها واقعاً ملموساً في الدول العربية التي طبقت هذه المبادئ..!!

    ٤- الالتزام بمبدأ الحياد الإيجابي بين القوتين الأعظم.. فالشعوب العربية لن تستفد من الانحياز لهذه أو تلك.. وهذا لا يعني عدم التعاون الاقتصادي المشترك مع أيهما فمشكلة العالم العربي في الواقع.. هو أن شعوبه – كما هو الحال في أمريكا اللاتينية – قد ابتليت بقيام حكومات شبه عسكرية تنفرد بالسلطة وتقوم بتنفيذ سياسات داخليه وخارجيه لا تؤدي إلى استقرار الأوضاع في الدخل.. ولا تخضع لرقابه برلمانيه معترف بها في الدول الأخرى..!! ورب قائل يرد على ذلك بأن هناك مجالس نيابية في بعض الدول العربية التي ابتليت بهذه الحكومات فأقول بعن هناك مجالس نيابيه.. ولكنها صوريه لا تمثل الشعب وإنما تمثل الحكومة القائمة..!!