تخطى إلى المحتوى

المنهج البنيوي في النقد الأدبي .. جريدة اليوم

    مقال اليوم بجريدة اليوم

    الأستاذ (أحمد الشيباني) لا أحد يستطيع أن يقول بأنه يفترش أرصفه الثقافة .. أو أنه يهرف بما لا يعرف .. عندما يتحدث عن المناهج و المذاهب الفكرية الحديثة في الغرب ..!! فالذين يعرفونه عن كثب .. يدركون بأنه مسكون بثقافة غربيه حتى النخاع كما يقول الحداثيون ..! (فهو يعتبر من أبرز الكتاب الموجودين في الساحة الأدبية ممن تعمقوا بدراسة الفكر الأوروبي الحديث .. و تعرفوا من خلاله على المناهج الأدبية الحديثة في الغرب ..!!

    وعندما يتحدث عن البنيوية .. والتشريحية .. والسميولوجية .. والألسنية الحديثة و غيرها من الاصطلاحات في مجال النقد .. وارتباطها بالإشكاليات النثرويولوجية. والاجتماعية والنفسية .. والفلسفية أيضاً .. لابد أن يكون لذلك زخم معرفي بثرى الساحة الأدبية عندنا .. و يمنح المتلقي الناشئ وعياً معرفياً في صحفنا حالياً حول هذه المناهج ..!!

    ولا أريد أن أتحدث في كلمتي هذه عن المفاهيم الفكرية و الفلسفية لنهج البنيوية أو غيرها .. و لكني أريد أن أتطرق لخطورة تأثير المناهج النقدية الغربية الوافدة على اللغة العربية الفصحى .. وتأثيرها على الإبداع الأدبي في هذه اللغة .. حيث أن مبتدع النظرية البنيوية ليفي شتراوس و زميله رومان جاكسون مبتدع الطروحات النقدية في الألسنية قد أصبح لهما مؤيدون و أتباع في العالم العربي يحاولون نشر أفكارهما و طروحاتهما في مجال النقد الأدبي ..!!

    وخطورة المنهج النقدي البنيوي الذي أبتدعه ليفي شتراوس على اللغة العربية الفصحى يأتي من ربطه منهجه بالأنثروبولوجي .. و ارتباط النهج الألسني بهذه النظرية .. وعلم الاجتماع .. و قد شاهدنا من يدعو على استحياء لهذا النهج في الندوة الثقافية التي عقدت في الرياض العام المنصرم بعنوان الموروث الشعبي .. و علاقته بالإبداع .. ومحاولة البعض الدعاية للهجه العامية ؟؟ و الترويج للقصيدة النثرية .. ووصف الشعر العربي الأصيل بأنه محاكاة و اجترار لا يتلائم مع العصر الحديث.!!

    كل ذلك من أجل إضعاف الثقة بالإبداع الأدبي باللغة العربية الفصحى في نفس المتلقي .. للوصول إلى هدف معين هو قبوله اللهجات العربية (المحكية) باعتبارها موروثا شعبياً أصيلاً كأداة للتعبير عن الأفكار في الفنون الأدبية..!!

    كما أن دعاه الألسنية الحديثة في العالم العربي من أبرزهم الدكتور (لطفي عبد البديع) و تلامذته .. يحاولون ربط المنهج الألسني (اللغوي) بالإشكاليات الإتروبولوجيه .. والاجتماعية .. والنفسية .. للوصول إلى تكريس مفهوم معين وهو اعتبار (اللغة) كائناً حياً تخضع للتطور .. والتحول .. فقد تصبح اللغة (المحكية) القديمة لغة (حيه) صالحه للتعبير عن الأفكار في الأعمال الأدبية ..!!

    وقد سبق أن قلت في مقالات أخرى .. أن أعداء اللغة العربية يركزون حالياً على مهاجمة الشعر العمودي لأنه يرتبط في ذهنهم باللغة العربية الفصحى (كشاهد) على أصالة هذه اللغة و التراث العربي ..!!

    وهذا الاستنتاج أو التصور لم أقل به و حدي .. فالدكتور (عبد العزيز شرف) وهو أستاذ متخصص بالأدب يقول في مقال له بعنوان الغزو الفكري .. و نهج المتأخرين .. (ويكفي أن أذكر هنا ما يقومون به في سبيل هدم اللغة العربية ومقوماتها وما يفعلون من دعوات ظاهرها التجديد والمعاصرة .. وهي لا تحمل في أعطافها إلا كل هدم و تدمير ..!!

    والنقاد .. أو الكتاب العرب مع الأسف يكتبون و يؤلفون حالياً عن هذه المناهج النقدية الحديثة لبعضهم عن قصد مشبوه .. والبعض نتيجة التأثر بها على اعتبار أن ما درسوه منها في جامعات الغرب شيء جديد على الثقافة العربية ولابد لهم من طرحه في الساحة الأدبية ..!!

    وخطورة هذا الاتجاه لا تخفى إذا كانت اهتمامات مؤيدي هذه المناهج منصبه على التقلقل من معطيات اللغة العربية الفصحى .. برفض الأصالة الشعرية مثلاً. أو التشكيك بوجود الشعر الجاهلي أصلاً !!

    وتطبيق (الأسلوبية) الحديثة في النقد الأدبي لا أعتقد أيضاً أنه يؤدي إلى وجود إبداع في الأدب إذا التزم هذا المنهج تحليل و تشريح النص الأدبي (السنيا) وأهتم بشكل التجربة الأدبية فقط .. دون الاهتمام بأصالة الموروث الشكلي في الإبداع الأدبي .. و تقييم المضمون في النص و إبراز معطياته الجميلة ..!! والشباب المتأثرون بطروحات المعاصرة و غيرها .. وأنا لا أشك في نقاء و أصالة انتماءاتهم و صفاء طموحاتهم .. عندما تصدروا الساحة النقدية في المملكة السنتين الماضيتين. و أسرجوا كتاباتهم بصهيل الجياد النافرة .. كان جل اهتمامهم منصباً على رفض الشعر العمودي صراحه و ضمنا .. و الترويج لتجربه الشعر الحديث المنثور و تمجيده دون غيره من التجارب الشعرية الجديدة الموجودة في الساحة الأدبية .. و الملتزمة بالشكل التقليدي للشعر و التي لا تخلو من المضامين المعاصرة ..!!

    وعندما يتلاعبون بالألفاظ و يشيدون بإبداعاته. ويفسرونها إشكاليات الغموض و الإيهام فيه بمعاني و دلالات لا تخطر على بال المبدع نفسه .. يستشف المتلقي الواعي من ذلك أنهم مولعون باتجاهات منهجيه نقديه حديثه لن يكون لها مردود إيجابي في الحياة الأدبية .. و في ذهن المتلقي الناشئ .. حتى ليخيل للمراقب أن تصدرهم للساحة النقدية ربما كان بترتيب و توجيه موحي به .. و ليس من شك في أن هذا الاتجاه خاطئ ..!!

    فالدعوة لمحاربه التخلف في الوعي المعرفي .. و المناداة بالمعاصرة لا يكون برفض الموروث الأصيل للشعوب .. وإنما تكون بتوجيه المتلقي لاكتساب العلوم التطبيقية الحديثة .. والعلوم الإنسانية المفيدة ليس غير ..!!