الشعر الحداثي تحطيم لبنية الشعر العربي الأصيل مقارنه شعر الحداثة بالأوزان الشعرية التي خرجت عن قواعد التحليل مغالطه
الدكتور (عبدالله الغذامي) أستاذ الأدب العربي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة .. لا شك بأن من الكفاءات الأدبية البارزة و قد عرفته لأول مره .. وهو يعلق على محاضره النقد الأدبي ألقاها منذ سنوات الدكتور (إسماعيل عز الدين) في النادي الأدبي بجدة .. و قد شد ذهن الحاضرين بغزاره معرفته لمناهج النقد الأدبي. ونقاد الأدب كالجرجاني .. و الجاحظ .. وإبن سلام الجمحي .. وغيرهم .. فقد كان يرد على المحاضر بخلفيات أدبيه تثير الإعجاب حقاً.!!
و قد مضت سنوات و قدر لي أن أحضر بعض الندوات الأدبية التي كان يعلق عليها .. وتابعت كتاباته في الصحف المحلية عن المناهج النقدية الحديثة .. كالبنيوية .. و التشريحية و الألسنية و محاوله مقارنتها بمناهج عربية قديمة معروفه في الأدب العربي .. فاعتقدت حينذاك بأنه يحاول تبرير منهجه الذي أختاره لدراسة شعر المرحوم (حمزه شحاته) في كتابه القيم
(الخطيئة و التكفير) ..!!
و مما لا شك فيه بأن هذا الكتاب يعتبر دراسة أكاديمية متميزة .. يستحق عليها الإشادة إذا نظرنا إليها كدراسة نقديه لعمل أدبي بصرف النظر عن ملائمه المنهج الذي طبقه على هذا الإنتاج الشعري ..!!
فإذا نظرنا إلى كتاباته عن تلك المناهج النقدية الحديثة قلنا بأنها تأثير .. وتأثر ..
تأثير في النشاط الأدبي في المملكة و تأثر بمناهج غربية يؤمن بفائدتها في اكتشاف الإبداع الأدبي .. أو تفاهته ..!!
غير أن القارئ قد فوجئ مؤخرا بأنه قد أصبح من أكبر مؤيدي (شعر الحداثة) في المملكة .. بدعوى أنه تجربه أصيله جديده تنسجم مع الموروث الشعري في الأدب العربي.!! وهي دعوي لن يقتنع بها من لهم إلمام بالأدب .. غير أنها دعوى قد تجد صدى و تأثيراً في عقليه الشباب اللذين لهم ميول أدبيه .. نظراً لأن من ينادي بها له وزنه و أستاذ مختص بالنقد ..!! فقد ألقى أخيراً محاضره في النادي الأدبي بالمدينة المنورة نفي فيها أن يكون للشعراء الغربيين .. أي تأثير في إنتاج شعراء الحداثة و هو نفى لا أعتقد بأن أي أديب في البلاد العربية يوافقه عليه .. فمجله شعر البيروتيه .. و كذلك المجلات العربية في الستينات كانت تتحدث عن التأثير .. و أغلب النقاد اللذين كتبوا عن إنتاج هؤلاء أي شعراء الستينات ذكروا تأثرهم بشعراء الغرب .. و يبدو بأن الدكتور يحاول أن ينفي ذلك للوصول إلى استنتاج غريب وهو أصاله تجربه شعر الحداثة !!
و لكي يثبت ذلك – أي هذه الأصالة – يقول بأن هذه التجربة سبقتها تجارب أصيله مشابهه في الخروج عن قاعده الخليل إبن أحمد الفراهيدي .. وهي محاولات بعض الشعراء العرب الأقدمين. نظموا تجاربهم الشعرية علي غير بحور الخليل المعروفة .. وهذه مغالطه منه لأن تلك التجارب (موزونه) .. وإن لم تكن على وزن البحور الشعرية التي أستنبطها عالم اللغة الخليل إبن احمد الفراهيدي ..!! أما شعر الحداثة فهو غير موزون بأي (بحر شعري) كان .. بل هو نثر عادي أقرب ما يكون بالنثر الفني ..!!
وأستغرب أن تغيب هذه الحقيقة عن ذهنه ..!! فالأخفش لم يبدل الشعر بالنثر .. بل أستنبط بحراً شعرياً موزوناً .. وما رواه المحاضر عن الزمخشري .. وعن أبي عمر إبن العلاء .. و مزج الدكتور أبي شادي للبحور الشعرية كل ذلك لا يؤيد وجهه نظره .. فالزمخشري يقول (عندما يأتي (الشعر) على غير وزن الخليل فهو شعر..!!) ولم يقل عندما يأتي النثر على غير وزن الخليل فهو شعر الحداثة و مؤيديه .. هو في خروجه عن (الوزن الشعري) المتعارف عليه عند العرب و الموروث منذ سنين سحيقة قبل أن يولد الخليل إبن أحمد نفسه ..!!
فالفرق بين الشعر و النثر هو الوزن .. وليكن من أي بحر كان ..!! فالتجارب الشعرية المعروفة في الأدب العربي و التي ذكرها المحاضر لتأييد وجهة نظره .. وإثبات أصالة تجربة الشعر الحداثي وهي معلقه عبيد أبي الأبرص .. وما نظمه عروه إبن المورد .. وسلمه إبن ربيعه .. وكذلك الموشحات الأندلسية و البغدادية .. كل هذه التجارب (موزونه) وإن لم تكن على قاعدة تفعيلات الخليل إبن أحمد ..
أما (الشعر الحداثي) فهو نثر ..!! ولا يلتزم بأي بحر شعري موزون ..!!
و تأكيداً لدعوته أو وجهة نظره .. يقول في آخر المحاضرة بأن مفهوم (الحداثة) أي الحداثة الشعرية يتعين بأن تكون منطلقاً أو خاضعاً لمداخل هي:
١- الأخذ من التراث
٢- الإقرار بأن في التراث سمات جوهريه ثابته كاللغة الفصحى بالنسبة للشعر
٣- الإقرار بأن في التراث متغيرات تقبل التبديل مثل السجع (علماً بأن السجع نثر وليس شعراً).
وهي مداخل لا أعتقد بأنها تؤيد دعوه الحداثة (الشعرية خصوصاً) لأن هذا اللون من التعبير الأدبي أو الإبداع لا ينطلق من (التراث) .. فشعراً لحداثه تحطيم للبنيه الشعرية المعروفة عند العرب. و الموروثة منذ أقدم العصور ..!! أما المتغيرات التي أشار إليها .. فليس مجالها الشعر العربي بحال .. لأن الفارق بين الشعر و النثر هو الوزن .. و الإيقاع الموسيقي بصرف النظر عن الإبداع في كل منهما ..!!
يمكن تبديل السجع بالنثر الفني و المباشرة و الوضوح في القصة بالغموض و التجريد .. و العبث بالمسرحية و الرواية مثلاً فهذه حداثه لا غبار عليها ؟؟!! كما أن الخلاف في شعر الحداثة ليس (لغوياً) .. وإن كان هناك من يدعو و يتمنى تحطيم اللغة العربية الفصحى ..!!
وأغرب شاهد أورده المحاضر هو تقريره بأن تجربة شعر الحداثة .. تجربة أصيله لأن اللغة العربية قبلتها ..!! أي أنها مكتوبه باللغة العربية الفصحى .. و ليس العامية ..!! علماً بأن اللغة العربية قاسم مشترك في جميع الأعمال الأدبية .. ولن تكون بمفردها حجه بقبول (شعر الحداثة) ..!!
أنه لمن المؤسف حقاً أن يقبل من له وزن ثقافي و أدبي نعتز به بأن يكون داعيه لتأييد وجهه نظر تحاول زعزعه الثقة بالشعر العربي الأصيل .. فإذا أفرغنا الساحة الأدبية منه. فماذا يبقى لنا من الأعمال الأدبية الخالدة ..؟!
نحن كأمة عربية لها تاريخ عريق بالإبداع الشعري .. ومقلدون إلى حد ما في الفنون الأدبية الأخرى كالقصة .. والرواية و المسرحية .. فإذا روضنا الشعر العربي الأصيل الذي تميزت به الأمة العربية و اعتبرناها اجتراراً ومحاكاة مرفوضه .. فما الذي يبقى لنا ؟؟