أستاذنا الأديب الموسوعي.. أبو عبد الرحمن بن عقيل الذي يتمنى دائماً بأن تسلم براجمه من الاوخاز.. يخيل إلى بأنه أراد لبراجم وأشاجع غيره وخزاً مؤلماً!!
في النقد الذي تناول فيه الإنتاج الشعري للدكتور أسامه عبد الرحمن في ديوانه (شمعه ظماي) بأحد المجلات المحلية.. وهي مجلة (القافلة) في عددها الأخير لشهر ربيع الأول 1407 هـ لم يكن على طريقه الناقدين ذوي العقل المعيشي!! كما يقول وحسناً نراه يفعل ذلك.. لأن النقد غير التقريض ولأن قلم الناقد لا يقل أهمية عن مبضع الجراح الماهر.. لأن النقد الأدبي الحق هو الذي ينظر إلى العمل الأدبي بتجرد بغير إلزام والتزام مسبق بمبدأ أو بمذهب يميل إليه أو يتعاطف معه.. ينظر لمعطيات الإنتاج الأدبي الجميلة وتأثيره في نفس المتلقي.. كما يوضح تهافته إن وجد.. ومشكلة النقد أو أزمه النقد الأدبي في الوقت الحاضر يتركز في كون الناقدين البارزين في الساحة الأدبية أن الإنتاج الشعري يجب أن يكون خاضعاً لمفهوم حداثي مستمد من نظريه الثابت والمتحول.. والغريب أن هؤلاء النقاد لم يلتفتوا أو يهتموا بأي لون من ألوان الأدب ما عدا الشعر!!
يريدون أن يهدموه لمجرد كونه يلتزم بالموروث.. لماذا هذا هو السؤال؟
وأحسب أن موقف شيخنا أبو عبد الرحمن بن عقيل في نقده رغم حرصه المعهود على الالتزام بالتراث والأصالة.. هو موقف نقاد ومروجي
(الحداثة).. فهو وإن كان لم يتناول إنتاج الشاعر أسامة عبد الرحمن بذهنية الناقدين ذوي العقل المعيشي.. ولكنه نظر لإنتاج الشاعر من خلال النظرة الرافضة (النغم الذي أحببته)، فهذا غاية الإنصاف كما يقول!! وهي نظرية حديثة في النقد
لا أدري إن كان القارئ يوافقه عليها.. فالحكم على الأثر الأدب بالتزام (الحداثة)، مسبقاً وبرفض الناقد لتجاربه الشعرية.. إن وجدت يجعل الناقد حكماً وخصماً في وقت واحد ويجعل نقده غير مقبول لدى القارئ الواعي!!
ولست أريد أن أقلل من أهمية أستاذنا (أبو عبدالرحمن بن عقيل) ووزنه الأدبي في الصحافة.. والإبداع النثري.. وخلفياته الثقافية.. ولكني أراه غير موفق في نقده للأسباب الأتية:
١- أنه قد حكم على التجارب الشعرية والتي تناولها من منطلق (حداثي) كما هو واضح في سياق نقده.. وهو منطلق خطر تشكو منه الساحة الأدبية!!
۲- أنه قد أختار شواهد من الديوان توحي فعلاً بالتقريرية. ولكنه تجاهل تجارب شعرية جميلة
في الديوان تمتاز بشاعرية.. ومعطيات جميلة وأسلوب شعري مثمر.. وإن كنت أخذ على الشاعر تعلقه بترديد الكلمات أو العبارات في شعره.. وكان من الأفضل الاستغناء عن بعض الأبيات في القصيدة الواحدة!!
٣- لاحظت بأن الناقد قد أنتقد شعر الشاعر بمنهجين.. منهج مقارن أن صح التعبير كما يفعل النقاد العرب القدامى.. ومنهج جمالي ولكنه متيسر لا يتحدث عن مضمون التجربة الشعرية ومعاناتها
في نفس الشاعر.. وبالتالي تأثيرها في نفس المتلقي!!
٤- أما الطامة الكبرى!! فهي نصيحته للشاعر بأن يكون حداثياً.. لأن من حسنات (شعر الحداثة) كما يقول أن يظل الشاعر دائماً مبتكراً لا مجتراً.. ومعنى هذا أن يجعل -أی الشاعر- للإحساس الجمالي دائماً موضوعاً جديداً غير اجترار المأثور أو محاكاته!!
فيا أخي أنت بهذا الحكم تلغي مفهوم الشعر العربي المعروف لدينا منذ وجدت اللغة العربية.. فالشعر له مقاييس متعارف عليها قبل أن يوجد الخليل إبن أحمد.. ولم يكن ولن يكون الشعر العربي الحقاق إلا اجتراراً لموروث تراثي.. وأي محاولة شعرية لا تراعي تلك البحور المعروفة.. أو التفعيلة العروضية كما فعلت نازك الملائكة – أو الاتیان ببحور شعر أخرى مشابهه. كما فعل شعراء الموشحات.. هي محاولة تفقد الشعر ماهيته.. وتصبح نثراً.. وأنت سيد العارفين!! بصرف النظر عن تقريرية بعض الإنتاج الشعري العمودي من عدمه!! لأنها قضية تخضع لمبضع النقد السوي النزيه!! فإذا كنت ترى في شعر (البياتي) أو غيره
نماذج كثيرة للابتكارات النظرية وتشاهد معاً.. فالكثير من القراء الواعين لا يؤيدون ما تذهب إليه
فسمها ما شئت.. إلا أن تكون شعراً عربياً!!
ثم لماذا لا ترون – أنتم أيها النقاد التجديد إلا في الشكل؟؟ لماذا لا تدعون بأن يكون التجديد في الموضوع.. والمضمون.. والأسلوب واختيار التجربة الملتزمة بالعواطف الإنسانية.. والمعطيات الفكرية الجميلة؟؟ أما الإحساس بالجمال الفني فهو موضوع مشاع في مختلف الفنون الأدبية!! ولماذا
الإصرار على أن شعر الحداثة هو البديل للتعبير عن معاني الجمال.. وتفادي التقريرية؟؟
نحن معكم في رفض التقريرية في الشعر العمودي.. ولكن الدعوة للحداثة الشكلية في الشعر العربي
بدلاً عن الشعر العربي الحقاق هي دعوة خطره.. وباطنية.. وتسليط الأضواء على الحداثة في الشعر قد نقبله من شعوبي في خارج المملكة.. أو لا نستنكره منه ولكن الساحة الأدبية في بلادنا يجب أن تكون مع الحق!!
يقول ناقد حداثي لدينا.. بأن تجربة الشعر الحديث وهي تسمية غير دقيقة يقصد منها المغالطة والتأثير في عقلية المتلقي النشاء (فالشعر الحديث) غير شعر الحداثة. فالأول ابتدعته نازك الملائكة ويلتزم التفعيلة العروضية.. أما شعر الحداثة فمختلف!! يقول بأن تجربة الشعر الحديث قد وجدت في الوطن العربي ضد الاستعمار… والاستلاب
القديم!! وضد ثالوث التخلف.. وقد طمحت إلى عدالة اجتماعية أكثر جذرية وديمقراطية.. إلى آخر تدبيحه النثري المتعوب عليه!! يا سبحان الله هل هذه التوجهات ملازمة فقط لشعر الحداثة..
أما الشعر العربي العمودي فهو ضدها أو خال منها.. حقاً أنها لا تعمي الأبصار.. ولكن تعمي القلوب التي في الصدور!!