يصبح الحنين للأرض أحياناً ولتراب الوطن وسمائه ومانه وصباياه
أعظم حب في الدهر، يصبح طعم الوجد أصفى وأنقى، ونكهة الهوى
أرق وأشق، وحلاوة الشعر أعذب وأحلى.. ولا يقل القرام بالأرض
والربوع والربا عن الغرام بالأنثى.. والفيد الحسان.. بل إننا نقول بقوة
إن طعم الأنثى من طعم أرضها وترابها ومائها وجغرافية تكوينها
وكينونتها.. لذا يحن المرء دائما لأنثى أرضه ووطنه وبلاده.. بل يعتبر
نفسه لم يحب ولم يعشق إذا ذهب إلى أخرى من غير وطنه ومن
غير جنسه، ومن غير مزيج تراب الوطن بعطره ذي النكهة المحببة
الخاصة به.
وشاعرنا وسفيرنا إلى الغزل مقبل عبدالعزيز العيسى شاعر الحب
والغزل الحقيقي قد مزج في شعره الغزلي الأنثى الحقيقية بأنثى
الأرض فأتت غزليته تجمع بين أنثيين غزالتين لا مثيل ولا شبيه لهما عند الشاعر الجميل… لقد
جاءت قصيدته (حنين إلى نجد) من أجمل وأروع غزليات الشعر في مثل هكذا شعر.. ولقد كان
صادق التعبير والمخيلة والوجد فيما ذهب إليه في شعره… بل لقد عرفناه في شعره الوطني
والغزلي مشبوب العاطفة وصادقها ولقد قرأنا شعره الجميل على صفحات الدوريات وحيث ينشر..
وهو واحد من شعراء المملكة المعروفين برقة شعرهم وغزلهم.. لذا كان لنا معه هذا الترحال في
آفاق وجدانه وغزلياته الجميلة.
حنين إلى نجد
والقصيدة منشورة على الصفحة 65 في المجلة العربية العدد 209 السنة 18 جمادى الآخرة
1415هـ – نوفمبر – ديسمبر 1994م.
غرامي.. والهوى لربوع نجد
وهل يحلو الثرى في غير نجد!!؟
وشوقي للصبا فيها وليل
ربوع كان لي فيها ملاب
يجود بنفحة وهزيم رعد
لدى شيح وقيصوم ورند!!!
لدى زهر الأقاح وقد توشت
به الكثبان في سبح ووهد!!
فأطياف الربيع الطلق فيها
يزيد صبابتي ويطيل وجدي!!!
فأين عرارها مني شميماً
كأنفاس الربيع المستجد!!؟
وأين غديرها.. يبقى شهوراً
لري منيحة.. وعناق دعد!!؟
وأين جمالها الفتان مني!!؟
وأين مناخه تأوى وتبدي
ومشبوب الغضا في كل رفد؟!
أصول مروءة.. وهبوب سعد!!؟
إذا أعيا المطي سموم قيظ
أبلت كبده بصفاء ورد
وإن جار الزمان عليه يلقى
صدوراً لم تبح يوماً بسد
سخاء – رغم أعسار، وبذل
هو الإيثار من كرم… وود!!!
بنفسي من هوى نجد جذور
روت عشقي.. وأشقتني بصد
فكم عانيت من عشقي ابتعاداً
وجرح القلب من صد وبعد
وقلبي عاشق ما حن إلا
لنبل شمائل وعطاء مجد!!
فيا لي من صدى نجد، ويا لي
من الاقفار والزمن الالد
تذكرت الحياة بها فادمى
جروحي البعد عنها.. والتحدي
وطالت غربتي عنها لأشقى
بأعصار الحياة المستبدّ
فكنت الكف لم يطفر بعطر
وكنت السيف لم يهنأ بغمد!!
عشنا عميقاً داخل هذا الشعر، وخفقت قلوبنا لعذوبته وجماله.. وأخذتنا النشوة حتى ظننا أننا لن تغادر
دوحة القصيد، وأننا سنظل أسرى هنهناته العذبة الموجعة.. أجاد الشاعر العيسى فوهبنا نبضاً
من غزله
وغنائه سنظل تردده على الأسماع طالما ظل شعر كهذا يحرك أفئدتنا بالحب والشجن والحياة!!!