لا أذكر العام الذي وصل فيه إلى ينبع مع والده و شقيقه عبد الله – يرحمهما الله- قد يكون ذلك في الخمسينات أو فوق الخمسينات بقليل .. ونزلوا بدار لنا جوار الدار التي كنا نقيم .. أبوه الشيخ عبد العزيز كان يعمل مع أمير ينبع السابق حمد عبد العزيز العيسى و شقيقه عبدالله عمل كرئيس للقوات المسلحة بالرياض و بها توفي .. جميعهم من شقراء توفي والده في ينبع .. غادر مع أسرته ينبع و لا أعلم أين أستقر به المقام .. درس بمصر ثم التحق بوزارة الخارجية و طلب الإحالة للتقاعد المبكر .. في ليله من الليالي التي كانت تجمعنا بمنزل الأخ حمزه علوي أبو رديف بالرياض – يرحمه الله – و هو من ينبع حل ضيفاً على المجموعة التي كانت تتقاطر على منزل الرجل الكريم ليليا جاء بعد زمن طويل مضى في أعقاب رحيله من ينبع .. بدأ يتحدث عن ينبع بكلمات يغلب عليها طابع المرح, وكان المجلس يضم عدداً كبيراً من أبناء الرياض و جدة والمدينة و ينبع و القصيم خيل إلى يومها كأنه يقلد اللهجة التي يتحدث بها أبناء ينبع بأسلوب كما قلت يميل إلى المرح الذي كان يعرف عنه .. فتصديت إليه مذكرا بوجبة الغذاء الذي كان من السمك مع الأرز من الصيادية والذي حملته فوق رأسي وأنا في العقد الأول من العمر على (صينيه) كبيره كغذاء للجار الجديد أمرتني الوالدة – يرحمها الله – بحمله إليهم .. تلك من العادات الرائعة التي كان يتحلى بها أهالي ينبع ولا يزالون وإن كانت حالياً – في نطاق ضيق محدود – الحفاوة بأي قادم سواء من جار للقادم الغريب أو من غيره من السكان. ألمحت عن ذلك في كتابي أيام وأيام و من يومها تعمقت الصلة بيني وبينه ونحن طفلين .. طبيعة المرح اللطيف الذي كان يتحلى به دوماً مع من يعرف و من لا يعرف كانت ملتصقه به, ثم جمعتنا اللقاءات اليومية الليلية بدارنا في جدة حقبه طويلة من الزمن .. حينما يطرأ علي وعلى من بقى من الأخوة بعد رحيل عدد كبير من الذين كانوا يلتئمون بالدار نظل نستعرض بعض ما كان يجري بالمجلس من مواقف تعيدنا إلى لحظات كانت تغمر القلب فرحاً وتدع النفوس تتوق إلى استرجاع ذكريات عن أيام خلت بما كان يتخللها من سرور و مرح بريئان فيضفيان لونا من البهجة يشع في النفس مما اقترفته الأنفس بعد أن ران عليها من أحداث زمن أبعد بين لحظات السعد و بين نفوس و ما كانت تعيش فيه من لحظات سعيدة و أودع من الهموم وما أشغلها وأدخلها مكانها ما يشبه الوجوم .. أبو عبدالعزيز كان من أولئك الذين تطيب المجالس بلقائهم و تسعد بحديثهم و تأنس بتواجدهم .. كان وفياً و مثلاً في الوفاء نقي القلب لا يحمل في طيات قلبه ما تختزنه قلوب البعض من أسى فتنعكس على ملامحهم بما يعبر عنه بضيم أو حمل هم ثقيل يشقي الأنفس و يباعد بينها و بين الصفاء مما يدعها تعيش في دائرة بعيده عن السعادة و يحول بينها وبين ما يصنعه التسامح أو النسيان لتغوص فيما يشبه الحزن و الكروب .. دخل المستشفى للعلاج ثم أنتقل على فراش المرض و ظل بالدار أعواماً طوالا كنت أزوره بالمستشفى و أقوم بزيارته أحياناً بالدار, ثم غبت عنه طويلاً حينما أقمت فتره بالمدينة المنورة وبعد عودتي لجدة وجدت أن الزيارة بالنسبة إليه تشكر عبئاً لا أبغيه له فاكتفيت أسأل عنه بالتليفون أو بواسطه الابن الحبيب عبدالعزيز .. حتى دخل في ما يشبه الاكتئاب في صبر مما حل به يعجز عنه الكثير .. علمت بموته بالرياض و عدت في اليوم الثاني للعزاء في الصديق الذي رحل .. فتشت عن أولئك الذين كان يذهب إليهم دوماً يسأل عنهم في دورهم و مكاتبهم من أصدقاء له كثر !! أين هم ؟ حقاً طال به المرض و ظل حبيساً بالدار .. دنيا البعض من الناس أو تعاملهم في تغيير يتوالى !!
يرحمك الله يا أبا عبد العزيز .. و سيظل أصدقاؤك ومحبوك الخلص يذكرون كلما كانت نفسك الأبية تتمتع به من صفاء و طهر و نقاء ووفاء .. عزاء لأسرتك و للابن العزيز عبدالعزيز مقبل العيسى.
(إنا لله وإنا إليه راجعون).