الملفت للنظر في صحافة العالم العربي عموماً.. هو أن عقل الجيل العربي المعاصر .. قد أصبح يتعرض لطروحات في التوجه الفكري .. أو التأثر الثقافي في موضوع الحداثة والتراث .. والذين عايشوا مثلي فترة الخمسينيات والستينات أعتقد بأنهم يدركون أن تلك الفترة شهدت أيضاً توجيهاً إعلامياً في كتب ووسائل إعلام مختلفة لترويج شعارات ومبادئ أيديولوجية مستورده تأثرت بها العقلية العربية حينذاك وتمخضت عن جيل يسمى تاريخياً جيل النكسة أو النكبة..!!
ومن الغريب أن اندفاع العقل العربي لتلك المبادئ والشعارات .. هو نفس اندفاع هذا العقل نحو منهج الحداثة وطروحاتها.. كما أن هناك تشابها بين تصوره لمفهوم تلك المبادئ والشعارات.. وتصوره لمفهوم الحداثة في الوقت الحاضر..!
فقد كانت تلك المبادئ تعني خلاص الإنسان العربي من تخلفه .. وكانت الرجعية والإقطاع والإمبريالية والاستعمار هي المستهدفة للانتقاد والتجريح .. وفي هذه الفترة أصبحت لفظه التراث أو استلاب القديم هي التي تقابل بالرفض من قبل دعاة الحداثة بدعوة أن التراث يعني تراكمات تاريخيه أثرت سلباً في حياة الأمة العربية والإسلامية.. وأن الحداثة لا تعني سوى التخلص من هذه التراكمات .. وإنقاذ الأمة العربية من التخلف.
علماً بأن التراث الذي يرى البعض المحافظة عليه يتمثل في مفاهيم ثابته مرتبطة بالفكر الإسلامي وليس مفهوم التراث هو تلك التراكمات التاريخية المشبوهة التي يثيرونها دائماً..!! وأبرز دليل على سوء نية بعض دعاة الحداثة .. هو محاولة استغلال الموروث الشعبي لترويج قبول الإبداع الأدبي باللغة العامية..!!
واللذين يتساءلون حالياً (عن ماذا نأخذ من التراث .. وماذا نترك؟!) بحجه أن التراث لا يتجلى في كل ما كتبه الأقدمون وصنفوه .. هؤلاء يطرحون تساؤلاً على حق. . ولكن ينبغي أن نعترف جميعاً بأن هناك أصولاً ثابته ومنها اللغة العربية الفصحى .. والشعر العربي الفصيح .. والفكر الإسلامي الداعي للقيم الأخلاقية هو الشيء الذي يجب علينا المحافظة عليه..!!
كما يجب علينا أن لا ننخدع بفكرة التأثر أو التلاقح الثقافي العالمي .. الذي يتخذه دعاة الحداثة سنداً أو حجه لتبرير طروحاتهم .. لأن مفهوم التأثر .. لا يعني انسلاخ الإنسان من أصالته الفكرية والثقافية واستبدالها بفكر وثقافة شعوب أخرى .. فالتأثر المرغوب فيه هو التأثر بالعلوم التطبيقية أو التجريبية .. وليس المناهج الفكرية التي أدت إلى انحلال الحضارات البشرية تاريخياً..!!