تعقيب على مقال .. جهل العرب لمفهوم الصهيونية
مجلة اليقظة الكويتية
أخطار الصهيونية العالمية المتمثلة في إسرائيل حقيقة يعرفها كل العرب .. ولكن كيف يتلافى العرب هذه الأخطار .. وما هي الخطة التي أعدت لحمايتنا منها هي القضية التي لم يكن لها بند في جدول الأعمال العربية ..
فالجامعة التي من المفروض أن تكون مؤهلة لرسم هذه الخطة ولوضع سياسة إعلامية أو دعائية مبنية على اعتبارات واقعية و أسس علمية لمجابهة الدعاية الصهيونية في الغرب هي بعيدة عن هذه القضية .. فالجامعة ببنايتها الشامخة في القاهرة لا يراد منها إلا أن تكون رمزاً لدول عربية .. وأن تكون مشلولة عن القيام بأي عمل إيجابي مفيد لهذه القضية ..لكن من أراد لها أن تكون مشلولة ..؟
العرب أنفسهم لا يعرفون ذلك …
فقضية دراسة خطة دعائية تراعي نفسية الشعوب الغربية التي تحس دائماً بتحكم الصهيونية في مقدراتها الاقتصادية. ولتوضيح أبعادها و أخطارها على الشعوب جميعاً .. و لكشف نواياها التوسعية في العالم العربي .. ولكونها دولة دينية متعصبة رغم القناع الخادع الذي ترتديه .. هي قضية أو فكرة لم تخطر على بال المسؤولين العرب قبل النكسة .. ولا حتى بعد النكسة ..
في الحقيقة ليس للجامعة وجود .. غير إن مكاتبها في العواصم الغربية والشرقية تتحدى كل عين غربية أو شرقية تبحث عن أثر للجامعة في الوجود …
كما قلت .. من أراد لها أن تختفي وأن تتوارى ..؟؟
طبعاً العرب لا يعرفون .. فإذا كان هناك من يعرف فالأغلب – مع الأسف – يداري ويقول في نفسه .. ویلي منها وويلي عليها .. والبعض مخدوع أو مضلل لا يفكر في أبعد من أنفه رغم الدعاوي العقائدية وادعاء الثقافة .. أما الدعاية الصهيونية فقد كان لها أثر قوي على القضايا العربية غير إن المسؤولين عن هذه المكاتب في العواصم الغربية الكبرى والشرقية يتنافسون على إرضاء السياسة التي أدت إلى عدم فاعلية الجامعة ..
ولكن هل صحيح أن سيطرة الصهيونية وتحكمها في مقدرات الشعوب الغربية هي التي كانت السبب في كل ما منى به العرب من نكبات ونكسات؟ .
في هذا المعنى قرأت مقالاً نشر في جريدة (اليقظة) الصادرة بتاريخ 17 حزيران بعنوان .. جهل العرب بمفهوم الصهيونية .. وهو بقلم سياسي كويتي كبير ولقد كان المقال تحليلاً صادقاً عن سيطرة الصهيونية على الاقتصاد الأوروبي وعن تحكمها في مقدرات شعوب الغرب .. وعن نفوذها في الدوائر الإعلامية والصحفية هناك .. وهو موضوع أحسب أنه على جانب كبیر من الأهمية عند رغبتنا في رسم خطة سياسية ودعائية لمكافحة الدعاية والأخطار الإسرائيلية .. غير أنني أختلف مع الكاتب الكريم فيما ذهب إليه عندما قال أن تأييد الغرب للإسرائيل كان نتيجة لتغلغل النفوذ الصهيوني وسيطرته على مقدرات الشعوب الغربية..وأن الغرب قد خذل العرب في قضيتهم العادلة رغم وجود علاقات قوية بين بعض حكومات الدول العربية و الشخصيات السياسية فيها وبين الدول الغرب وبالرغم من وجود مصالح اقتصادية حيوية له في المنطقة.
فالقول بأن الغربة أيد ويؤيد إسرائيل لأنه خاضع تحت سيطرة الصهيونية .. هو قول يصعب الاقتناع به على إطلاقه .. فإذا كان من السهل الاعتراف بمسؤولية الغرب في خلق دولة إسرائيل في وقت وظروف كانت شعوبه تجهل حقيقة النوايا العدوانية التوسعية للإسرائيل .. ولأن زعماء العرب الذين كانوا في السلطة حينذاك قد اقتنعوا بوجهة النظر الصهيونية التي كانت تستند إلى دعاوي تاريخية باطلة .. ولإحساس هؤلاء الزعماء بعقدة الذنب تجاه ما تعرض له اليهود على يد الغرب من اضطهاد .. فإنه من الصعب الاقتناع بأن الغرب قد أستمر في تأیید إسرائيل طوال عشرين عاماً رغم تبدل حكوماته ورغم تكشف النوايا التوسعية لإسرائيل كان بسبب تأثير الصهيونية العالمية ..
فالغرب لم يكن في يوم من الأيام في جانب اليهود .. وهي حقيقة يجب علينا كعرب أن لا تغيب عن أذهاننا عندما نناقش أو نقرأ أو نفكر في موضوع سيطرة الصهيونية على الشعوب الغربية .. فما حصل لليهود في التاريخ البعيد والقريب في أوروبا وفي روسيا القيصرية ينفي قبول هذه الفكرة .. وينفي بالتالي تعاطف هذه الشعوب معهم .. بدليل أن هناك دولاً غربية كاليونان وقبرص وإسبانيا والفاتيكان لم تعترف بإسرائيل .. رغم وجود محاولات حذرة وخفية وملتوية لتطويق هذه الدول كما حدث في قبرص واليونان مؤخراً توطئة للاعتراف بها ..
أنا هنا لا أريد التقليل من نفوذ الصهيونية ولكنه رفض لتهويل هذا النفوذ … فلو استطاع العرب – وليتهم يستطيعون – أن يتفهموا هذه الحقائق لايمكن تفويت الكثير من أغراض السياسة الصهيونية وكشف نواياها .. فسكوت شعوب الغرب – وهي شعوب ديمقراطية بمؤسساتها التشريعية وبأحزابها المختلفة وبأرباب المصالح الحيوية في العالم العربي الذين بإمكانهم الضغط على حكومات الغرب .. ورغم عداء هذه الشعوب التقليدي لليهودية هو الظاهرة التي يجب على العرب أن يتأملوها وأن يتعرفوا على أسبابها ودوافعها .. ولا أعتقد أن أي شخص لديه القدرة على الرؤية السليمة والاستنتاج المنطقي إلا ويؤمن بأن السياسة العربية الخاطئة التي اتبعتها بعض الدول العربية تجاه الغرب كانت السبب في موقفه موقفاً عدائياً من العرب بل كانت السبب في تبييت الخطة العدوانية ضدهم في خريطة مرسومة على المدى البعيد..
فالشعوب الغربية منذ مطلع الخمسينات من هذا القرن لم تسمع إلا التصريحات المعادية من العرب .. وأخف هذه التصريحات وصفه بالاستعمار الإمبريالية ..
وتهديد مصالحه حينا بالإجراءات العملية الطائشة .. كما أن دور الصحافة وأجهزة الإعلام العربية كان لا يقل عن دور ذلك الحيوان الأحمق الذي أراد أن ينقذ صاحبه من ذبابة وقعت على أنفه … أما موقف إسرائيل فكان عكس ذلك فقد كانت توحي للغرب بأنها امتداد لحضارته وبأنها حليفة طبيعية لمصالحة في المنطقة ..
أما استغلالها لأخطاء السياسة العربية فهو حقيقة اعترف بها العرب أنفسهم بعد النكسة ..
إذن هناك عوامل غير النفوذ الصهيوني على الغرب هي التي أدت إلى نكبة العرب أو نكستهم .. فإذا كنا واقعيين لا بد لنا من الاعتراف بأن أخطاء السياسة العربية واستغلال إسرائيل لهذه الأخطاء من جهة .. وإتباع إسرائيل تكتيكاً سياسياً وإعلامياً مدروساً قد بنى على أسس علمية يضع حلاً لكل المشكلات والاحتمالات التي تواجهها .. وفقدان التخطيط عند العرب وخلافاتهم الداخلية نتيجة لصراعات عقائدية غريبة على النفس العربية من جهة أخرى هي التي أدت إلى حوادث الخامس من حزيران المؤلمة ۰۰
هذه حقائق يجب علينا أن نعترف بها وأن يكون لدينا المرونة الكافية لنقد تصرفاتنا نقداً ذاتياً بعيداً عن التعصب .. وأن يكون لدينا القدرة على تفهم أخطار وأبعاد السياسة الإسرائيلية .. وهو خطر لم يكن ولن يكون موجهاً ضد بلد عربي دون آخر .. أو ضد فئة أو طائفة دون أخرى .. نعم .. أنها حقائق يجب على كل فرد عربي أن ينظر إليها بجدية وباهتمام زائد إذا أردنا أن نحول دون هذه الأخطار وأن نرغم إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية التي تحتلها ..
أحسب أن الذين يتوجب عليهم تدبر هذه الحقائق هم الزعماء العرب وكل شخص نصب نفسه وصياً على مصالح الشعوب العربية وليس لديه من الوعي إلا التعصب الحاقد لعقائد غريبة على نفسية سكان البلاد العربية .. وإثارة مشاعر الجماهير بكلمات جوفاء ضد الغرب .. على هؤلاء أن يدركوا أن ذلك يخدم إسرائيل على المدى القريب والبعيد .. كما أن من بيدهم إمكانية الإعلام والدعاية العربية عليهم أن يتلمسوا الطريق الصحيح لمعرفة نفسية الشعوب الغربية بالرغم من تواجد النفوذ الصهيوني بينها .. فهي شعوب معادية لليهود .. وهي بسبب هذا النفوذ تمقت الصهيونية العالمية في الحقيقة والواقع ..
هناك جملة وردت في مقال السياسي الكويتي الكريم وهي قوله :- (…أن الصهيونية وباء كالطاعون ينتشر خطره ويزداد ومن سوء حظ العرب أن تكون بلادهم هدفه الأول…)
وهو وصف لا شك فيه ولكن علينا أن نتفهم جيداً – أي خطر الصهيونية – و أن ننطلق من سياسة وتخطيط وتكتيك .. يعترف بهذه الحقيقة .. ولكن علينا كما قلت أن نستفيد من العداء العالمي للصهيونية …
فالأخيرة – بلا شك – تريد تحقيق حلم دولة إسرائيل الكبيرة .. وهو حلم طالما راود العقلية والنفسية اليهودية منذ أجيال طويلة .. و علينا واجب تفهم وإدراك أن الصهيونية تعتمد في تنفيذه على سياسة. تنظر بعين الاعتبار إلى نقاط أو مشكلات أساسية بالنسبة إليها وهي :-
١ – إمكانية تقبل الرأي العالمي لخطواتها التوسعية..
٢- واقع البلاد العربية أو إمكانية شعوبها ۰۰۰
٣- الهجرة اليهودية ..
– فبالنسبة للهجرة اليهودية فهي سوف تنفذها بأي وسيلة كانت حتى ولو بإحداث مؤامرة (لا سامية) في الغرب ..ولكن هذه الخطوات ستكون بمراحل بعد ضم الأراضي التي ستكون تحت يدها في المستقبل
– أما بالنسبة للرأي العالمي فإن زعماء الصهيونية يعرفون أن احتلال جزء من البلاد العربية سوف يواجه معارضة شديدة من جميع الدول.. لذلك نجد إن الصهيونية تتبع سياسة الاعتداء المرحلي فهي تمهد له مسبقاً وتبرره بدعاوي قانونية باطلة لإقناع الرأي العام العالمي بشرعية خطوتها .. فهي لم تقدم على هجوم الخامس من حزيران إلا بعد أن شبعت الجو الدولي بعدم شرعية قفل خليج العقبة .. وتصريحات الحكومة الإسرائيلية وبيانات بعض حكومات الغرب في تلك الفترة ضد الإجراء العربي القانوني دليل على إتباعها هذا الأسلوب أو هذه السياسة ..فعلينا إذن تفهم ذلك وتفويت الأغراض الإسرائيلية.
أما بالنسبة للعالم العربي .. فإن إسرائيل تهتم بواقعه عند قيامها بأي خطوة عدوانية ومن أجل نجاح عدوانها ترى ضرورة كونه متفككاً متهالك ولذا فهي تعتمد على السياسة التالية :-.
١ – تغذية الخلافات بين الدول العربية، وتكريس النزاعات الطائفية و الدينية بين الشعوب العربية بقدر الإمكان.
۲ – تشجيع العقائد والمبادئ الغريبة على النفسية العربية لتصعيد هذه الخلافات ولإضعاف الطاقة الروحية مسيحية وإسلامية لدى العرب.
٣ – قتل الشخصية العربية والفلسطينية بالذات .. وذلك بشن الحرب النفسية و التشكيك بجميع القيادات العربية .. ومحاولة قتل الصمود العربي.
٤ – تقويض أنظمة الحكم الشرعية في الدول العربية بأي وسيلة ولأي مبرر لتكريس عدم استقرار الحياة السياسية والمؤسسات التشريعية ولإضعاف الحياة الاقتصادية فيها و لهروب رؤوس الأموال خارج المنطقة ..
هذه هي الحقيقة .. فإذا لم يتمكن كل فرد عربي من إدراك ذلك ولم تكن لديه الرؤية السليمة للحكم على ما جرى ويجري في البلاد العربية .. فإن العرب سوف يواجهون أخطاراً فادحة في المستقبل ..
وليعلم كل عربي إن أي محاولة لضمان القوة الرادعة الحماية البلاد العربية ولتأكيد استقلالها سوف لن تجدي إذا استهان العرب بالعقيدة الروحية ..
فالجيش الإسرائيلي لا يحارب اعتمادا على القوة الضاربة أو تفوقه التكنولوجي كما يزعمون .. وإنما هو يستجيب لنداء ديني متعصب يدعوه لتحقيق حلم دولة إسرائيل الكبرى ..فالصهيونية لا تخشى على دولتها إسرائيل من الجيوش العربية مهما كانت تعداداً وعتاداً لأنها تستطيع تكوين الجيش الإسرائيلي وتسليحه بقدر ما تخشى وتهاب القوة الروحية الدينية التي تدفع الجيوش العربية للقتال إيماناً بالشهادة في سبيل تحرير الأماكن المقدسة..
فهل يقتنع دعاة العقائد الدخيلة .. ؟ وهل يرعى مؤيدوهم من الذين قد خدعتهم الشعارات البراقة .. ؟ وهل يدرك المسؤولون العرب أهمية الدافع الديني لتحرير الأماكن المقدسة من قبضة دولة دينية متعصبة ضد جميع الأديان – والدين المسيحي بالذات – وضد الأجناس البشرية ..؟
أقول : ليت أنهم يدركون