وعوده إلى مطالبة الدكتور عبد المنعم تليمه بإطلاق الحرية في التعبير الفني والأدبي من القيود والحدود.. تذكرني بنقاش دار بيني وبين أحد جيادنا النافرة.. وقد كان النقاش حينذاك يدور حول الحداثة ومعطياتها.. فقد سألني سؤالاً ظنه محرجاً.. فحواه لماذا يقف التراثيون موقفاً رافضاً للأفكار الجديدة في الحداثة.. بينما التراث نفسه يوجد فيه شواهد فكريه منحرفه.. كالشواهد المأثورة عن أبي العلاء المعري وغيره.. كما أن التاريخ الإسلامي قد عرف الفلسفة.. وكتب عنها علماء بارزون؟؟
ومن هذا المنطلق فهو يرى بأن الدعوة لأي منهج فكري حديث ليس بالشيء الغريب على التراث كما أن قبول المجتمع الإسلامي للفلسفة ومعطياتها الفكرية دليل على حرية الفكر في المجتمعات الإسلامية.!!
ومثل هذا الشخص ينسى أو يتناسى واقعاً أو حقيقة أخرى موجودة أيضاً في التراث وهي ردود العلماء المسلمين على الفلاسفة وتحريمها.. واستنكارهم للأفكار المنحرفة ومحاكمتها أحياناً ..!!
وينسى أيضاً هؤلاء الأشخاص مفهوماً سائداً في كل زمان ومكان.. وهو أن حرية الرأي أو حرية الفكر مرتبكه بالفكر المعترف به في أي مجتمع.. فهي مطلقه إذا كانت تهدف لإصلاح سلوك اجتماعي معيب.. أو تهذيب نفوس وإيقاظ ضمير.. وعندما تكون مخالفه لعقيده أو عرف أو ارتضاه المجتمع لنفسه تعتبر خروجاً عن النظام يحق لكل شخص معارضتها وانتقادها.. ولا يعتبر ذلك إرهاباً فكرياً كما يدعي البعض جداعاً للمتلقي الناشئ لأن الإرهاب الفكري يتجسد في فرض مبدأ أو اتجاه سياسي معين من قبل سلطة مستبده.. لا يقبله المجتمع أو يرتضيه نظاماً لحياته..!!
ومن هنا ندرك بأن مطالبة البعض أو دعوته بأن تكون حريه الفكر.. أو حرية التعبير في الأدب والفن مطلقه.. وأم طرحت هذه الدعوة بأساليب خادعه مضلله.. هي دعوة مشبوهة.. فالحرية لا تعني إشاعة منكر.. أو تشكيك في عقيدة وموروث حضاري يمثل أصالة الإنسان.. وقيمته ومبادئه الأخلاقية!!