في اعتقادي أن الشعر (المهجري) هو الذي يمثل الإبداع أو التجديد الحقيقي للشعر العربي في العصر الحديث، و ليس القصيدة النثرية الممسوخة التي أصبح يهلل و يطبل لها بعض النقاد في عالمنا العربي !!
وقد كنت في شبابي وكهولتي مغرماً بقراءة الشعر المهجري أحتفل به و أقتنيه رغم ضيق ذات يدي في طور الشباب، فأعجب به ولا أجد بأن هناك شعراً حديثاً يدانيه سوى الإبداع الشعري, الشبابي والهمشري وفؤاد بليبل والأخطل الصغير وعمر أبو ريشة, والشاعر الغساني اللبناني المغمور، أمين نخلة, صاحب دفتر الغزل و المفكرة الريفية !!
فالشعر المهجري، لا شك في أنه قد ابتكر نماذج شعرية جديدة, غير أنها لم تخرج عن شكل الشعر العربي المأثور, لأن مبدعيه ينطلقون من ملكة وموهبة شعرية أصيلة !! ولكنه كان يتميز في الواقع بتجديد المعنى والأفكار والأسلوب السهل الممتنع، وينفرد بتخييل جميل مجنح، لا نجده في الإنتاج الشعري لكثير من الشعراء العرب في الفترة التي تواجد فيها شعراء المهجر، وهم شعراء العصبة الأندلسية في أمريكا اللاتينية.
وهؤلاء الشعراء لا يختزنون في ذاكرتهم ثروة لغوية كبيرة ولكن معطيات شعرهم. سواء كان وجدانياً أو فكرياً, تؤثر في النفس.
فالتجديد لديهم، ينصب في الأوزان الشعرية الخفيفة, أما الأغراض الشعرية التي أبدعوا فيها, فهي متأثرة فعلاً بشعراء غربيين رومانسيين مشهورين في مطلع القرن العشرين !! وقد كانت أغراضاً متعددة فكرية و ووجدانية و تأملات في الحياة والموت !!
وأجمل ما أبدعوا فيه، هو (الحنين للوطن الأم)
وتمجيد العروبة، وأبدع ما الفوه من معاني هو الإحساس بالغربة , وتصوير المعاناة منها !!
من هؤلاء الشعراء, الذين أعجبت بهم, هو الشاعر المهجري إلياس فرحات المكتوي بمعاناة غربته, والراسخ الإيمان بعروبته !! وهناك أبيات مأثورة عنه تصور هذه العاطفة, يقول فيها :
يقولون صاحب فلاناً فإنه
أخو نجدة يرجى لساعة ضيق!!
فقلت لهم هذا صحيح, وإنما
عدو بلادي، لن يكون صديقي
وهو القائل موجهاً حديثه لأبناء وطنه في لبنان، وكأنه ينظر من بصيرة نتصور مستقبلاً مظلماً بسبب التناحر الطائفي, وتأثيره على هذا البلد العربي الجميل يقول فيه:
يا أهل لبنان هذي الحال .. حائلة
وما عقدتم من الآمال أوهام !!
لا تخدعوا بحنان (الأم) أنفسكم
أنتم إذا عدت الأيام أيتام !!
أبناء يعرب إخوان إذا قعدوا
للحادثات .. وإخوان إذا قاموا
إخوانكم وذووكم ليس يفصلهم
عنكم لدی قسوة الأيام إسلام !!
. كان هذا في عام 1935 ميلادية, وماذا يقول هذا الشاعر, لو أنه عاصر و شاهد ما يجري في لبنان الجميل الأن؟!