حديث الأربعاء.. جريدة المدينة المنورة
عندما بدأت تظهر في صحافتنا الكتابة عن الحداثة الأدبية بأقلام وافدة و أخری وطنية وشغلت ذهن القارئ في العقد الماضي وأصبح الإنتاج الشعري المنثور هو الإبداع الأدبي المستأثر بالنقد .. كنت أكتب من وقت لآخر في صحيفة (البلاد) السعودية و (الجزيرة) مدافعاً عن الأصالة الشكلية للشعر العربي وأحذر من الاتجاهات النقدية المؤيدة للقصيدة النثرية ولم يكن ذلك تعصباً مني للشكل التقليدي وإن كانت أغراضه سخيفة أو صياغته ضعيفة .. ولكني كنت أری بأن القصيدة النثرية تمثل تخريباً للأصالة الشعرية في اللغة العربية .. وأری بأن التجديد في الشعر يجب أن يكون في الأفكار والمعاني أو الصور الشعرية الجميلة كالتجديد الذي نلمسه في الشعر المهجري فالتجديد أو التحديث في هذا الشعر لا یعني التحرر من الموسيقى الشعرية المميزة للشعر العربي أي الالتزام بالعروض الشعرى ولكنه أي الشعر المهجري كان تجديداً في المضمون والموضوع والمعطيات الشعرية الجميلة .. كما كنت أدعو بعض نقادنا البارزين المؤيدين للشعر المنثور بعدم التعصب للاتجاهات النقدية المتأثرة بمفاهيم أو علوم اللسانيات المؤيدة لإشكاليات لغوية تؤدي لضعف اللغة الأم أو اللغة الفصحى.
وفي ظني أن موجة الحداثة التي سيطرت على صحافتنا المحلية أو الطروحات الألسنية في تلك الفترة وفي صحافة الأقطار العربية الأخری كانت حركة موجهة المقصود منها تسليط الأضواء وتشجيع الثقافة الشعبية و علی رموز القصيدة النثرية في البلاد العربية كالبياتي ومحمود درويش وغيرهما من الشعراء المرتبطين بمجلة شعر البيروتية وأن الهدف من هذا الزخم الإعلامي هو تلميع القصيدة النثرية لدى القارئ العربي وتأييدها بحجة المعاصرة أو العصرنة أو الحداثة وغيرها من الاصطلاحات أو الإشكالات النقدية الحديثة لفك ارتباط القارئ أو المتلقي العربي في المملكة والأقطار العربية الأخرى بالشعر العربي التقليدي لأنه يمثل الشاهد على اللغة العربية الفصحى .. فمثل هذه المحاولات وتشجيع الثقافة الشعبية و الكتابة باللغات العامية الهدف منها في الحقيقة إضعاف اللغة العربية لدي الأجيال القادمة وجعل مفرداتها ونصوصها غير مفهومة لديهم وهي نظرية معروفه في إشكالية ازدواجية اللغة – والمعروفة في علوم اللسانيات – وضعفها أو زوالها.
هذه المقدمة لابد منها للتعليق على كلمة الدكتور عاصم حمدان عن الشاعر عبد الوهاب البياتي وبعض رموز الحداثة الشعرية في العالم العربي المنشورة في ملحق (الأربعاء) الأدبي الصادر بتاريخ 25 شوال ٤۱٤اهـ .. وعن تذبذب البياتي وتلونه في مبدأ أو اعتقاده وتخليه عن الماركسية على الرغم من تغزله برموزها .. خلافاً لما كان يدعيه ويعلنه في إنتاجه الشعري عن الحرية والديمقراطية وعن إنسانيته أو عالميته كما يدعيه أو يطلقه من يلمعه بكتابـاته في الصحف العربية والعالمية.
فإذا تنكر البياتي لأفكاره السابقة التي كان يعتنقها أو على الأصح يمشي في ركابها فليس هذا بمستغرب لأنه لم يفعل ذلك إلا من أجل تسليط الأضواء عليه في وسائل الإعلام العربية والأجنبية.
فالدارس لإنتاج البياتي الشعري يجد أنه في ديوانه الأول (أباريق مهشمة) وديوانه الثاني (المجد للأطفال والزيتون) كان يلتزم بالشعر العمودي والشعر الحر أي الالتزام بموسيقى التفعيلة العروضية ..
ولكنه بعد إن ارتحل عن وطنه العراق إلى بيروت وارتبط بدوائر ثقافية غربية واشتراكية أصبح من رواد القصيدة النثرية لإدراكه بان وسائل الإعلام تريد منه ذلك .. فهو من أبرز الأشخاص إذ استأثر إنتاجه الشعري النثري باهتمام الصحف العربية في فترة اغترابه عن وطنه ..
ونشرت عنه وعن إنتاجه الشعري النثري دراسات تحليلية على الرغم من ضعف صياغته الشعرية وخلوها من المعطيات الشعرية الجميلة .. وعلى الرغم من وجود شعراء معاصرين له يتفوقون عليه في الإنتاج الشعري كالجواهري و عمر ابوريشة أو شعراء الأقطار العربية الأخرى البارزين الملتزمين بالشكل التقليدي للشعر العربي .. فليس بمستبعد أن يكون خلف البياتي (مافيا) دعائية تلتزم تسليط الأضواء علية لأنه يمشى في ركابها ويتعاطف معها عقلياً و عاطفياً لمصلحته الذاتية!
وفي ظني أن أغلب الشعراء المحدثين الذين عاصروا البیاتی أو تواجدوا بعده لم يلتزموا صياغة القصيدة النثرية أو يندمجوا في التيار الداعي لها إيماناً منهم بمعطياتها الجميلة وإنما ينخدعون بتيار إعلامي موجه في العالم العربي وخارجه.
وما يحدث في الدوائر الثقافية الغربية المؤيدة للإنتاج الأدبي أو الفني في الأقطار العربية المخالف للترات أو الأصالة في اللغة العربية أو المنغمس في العلمانية أكبر دليل على التوجيه الإعلامي المشبوه فهل نعتبر ونتعظ؟ !