التغريب في تصوري تغريبان .. تغريب فكري .. وتغريب علمي .. والتغريب العلمي توجه يقبله العقل .. بل يتعين على الشعوب النامية الأخذ به وتطبيقه للوصول إلى تحقيق قوتها الذاتية .. لكنما التغريب الفکري هو التوجه الذي يجب أن نرفضه ونحذر الأجيال المثقفة منه .. إذا كان مضمونه يخالف الأصالة المرتبطة بجذورنا الذاتية ..!! والتغريب الفكري في عالمنا العربي ليس بالشيء الجديد .. ولكن معالمه في الوقت الحاضر قد أصبحت طروحات أدبية تدعو لمفاهيم ونظريات حديثة عرفت في الغرب لا تعني تطوير العقل العربي أو انتشاله من التخلف العلمي الذي يعاني منه الإنسان العربي ويحد من قدراته الذاتية .. ولكنها طروحات تؤدي إلى ترويض عقله لقبول أفكار ومفاهيم أدبية تبعده عن تراثه .. و تشككه في معطيات حضارته بدعوى المعاصرة والانفتاح على الثقافة الغربية ..!!
وهي طروحات لن تؤدي في رأيي إلى تطور الإبداع الأدبي في اللغة العربية ولا تعني محاربة التخلف العلمي على الرغم من الادعاء بأن تلك الطروحات الحديثة تتفق مع العصر .. والمناهج العلمية.. فالتلبيس على المتلقي الناشئ بأنها تعتمد على مفاهيم علمية حديثة..هو من قبيل الخداع الفكري..!!
وفكرة (أبستمولوجيا) المعرفة والثقافة التي يرددها بعض الدارسين المتأثرين بالأفكار الحديثة في الغرب .. ليس لها علاقة بالمعطيات الأدبية التي تدل على الإبداع الأدبي .. وإنما هي فرع من الفلسفة و المنطق .. (انظر دائرة المعارف الأمريكية الصغيرة) .. كما أن إقحام النقد الأدبي بالمفاهيم (الأنثروبولوجي) والقول و(بميتافيزيقية) اللغة ..أو فقه اللغة اللساني المرتبط بعلم الاجتماع .. كل ذلك يستهدف الحد من تأثير اللغة العربية الفصحى في نفس المتلقي ولو بعد حين ..! والمتلقي الواعي لا يرفض الدراسات الأكاديمية لتلك المناهج التي أثرت في معطيات الإبداع الأدبي في الغرب للمقارنة .. ولكنه يستنكر أن تكون منهجاً يطرح في الجامعات لاعتناقه أو يطرح في الصحف المحلية ووسائل الإعلام لتقليده .. ندعو إليه بتعصب .. وأن يكون هناك (شللية) فكرية تتحكم في الصحافة لترويج الإبداع الأدبي الحداثي ..
ورفض الإبداع الأدبي الأصيل ..!!
يقول الأديب الأستاذ (عبد الله عبد الرحمن الجفري) في مقالة أخيرة .. (زحام عجيب)!! حينما تحاول أن تمد رأسك من خلاله لتری ما الذي يحدث في داخل الحلبة .. أو لتسمع ما يقال .. فإنك بكل أسف لا تجد إلا جثثاً لمسميات مات بعضها منذ أكثر من عشرين عاماً .. وأصبحنا نتغنى بأسماء فلاسفة و مفکري الغرب ممن رحلوا .. وماتوا فكرياً .. وفي نفس الوقت نهجر أسماء فلاسفة ومفکري أمتنا العربية ..!!
أتدري يا أخي العزيز لماذا تحرص بعض الأقلام في مغرب العالم العربي ومشرقه على نقل تلك المنهجية الأدبية التي ثبت فشلها في الغرب للساحة الأدبية والعربية ..؟!
أنني أعتقد بأن ذلك نوع من الغزو الفكري موجها للأمة العربية لتشويه الإبداع الأدبي في اللغة العربية المرتبطة بالتراث .. والأقلام العربية الوافدة التي تنشر في صحافتنا المحلية هذا التوجه المريب .. وتبشر به وتطيب له .. وتسليط الأضواء على شعر الحداثة .. وشعراء الحداثة العرب بمختلف وسائل الإعلام في العالم العربي وخارجه .. وتبرير القصيدة النثرية والمفاهيم الأنثروبولوجي في الأدب كل ذلك (غزو فكري) مقصود..!!
أما أن يكون هناك تشوية للإبداع الأدبي الرفيع في الغرب قد حدث نتيجة لما يريد البعض نقله للساحة الأدبية في العالم العربي .. فأكبر دليل عليه هو رفض المتلقي هناك لمعطيات هذه المناهج .. لأنه أفتقد أعمالاً أدبية مؤثرة في النفس تحاكي الأعمال الأدبية الخالدة التي يعرفها ..!!
فأين أعمال رواد الرومانسية .. والكلاسيكية .. والمدرسة (المونبرنانسية) الوجدانية التي اشتهرت بباريس في مطلع القرن العشرين .. والمشابهة لمدرسة (أبو اللو) عند العرب .. أین هذه من أعمال كافكا .. ورامبو .. وأودن وجويس وغيرهم من منتهجي الهلوسة والعبث في الأدب والثقافة ؟؟
وعلى سبيل المثال ماذا تنتظر من شاعر حداثي يجعل عنوان قصيدته النثرية .. تصفر من هلع الأنين ..نخضل في صبر اليقين ..؟؟.. ولن تطول دهشتك إذا عرفت بأنه يسخر من الشعر العمودي بهذا العنوان ..!!
إذن المشكلة يا عزيزي ليست مشكلة دراسة (أكاديمية) جادة في الأدب المقارن .. أو النقد المقارن لمجرد المعرفة وهو نهج مقبول .. بقدر ما هي مشكلة تعصب عقول (مغسولة) بطروحات (أدنوسيه) .. أو متأثرة بظاهرة (رفض) أفرزتها أزمة نفسية تعاني منها الأمة العربية ..!!